تقدر على
مجاوزتها.. فقد قال يتحدث عنه في المقام الثالث: (لا يخلو إما أن يكون العرش كريا
كالأفلاك، ويكون محيطا بها، وإما أن يكون فوقها وليس هو كريا، فإن كان الأول، فمن
المعلوم باتفاق من يعلم هذا أن الأفلاك مستديرة كرية الشكل، وأن الجهة العليا هي
جهة المحيط، وهي المحدب، وأن الجهة السفلى هو المركز، وليس للأفلاك إلا جهتان:
العلو والسفل فقط.. وأما الجهات الست فهي الحيوان، فإن له ست جوانب، يؤم جهة فتكون
أمامه، ويخلف أخرى فتكون خلفه، وجهة تحاذي يمينه، وجهة تحاذي شماله، وجهة تحاذي
رأسه، وجهة تحاذي رجليه، وليس لهذه الجهات الست في نفسها صفة لازمة، بل هي بحسب
النسبة والإضافة، فيكون يمين هذا ما يكون شمال هذا، ويكون أمام هذا ما يكون خلف
هذا، ويكون فوق هذا ما يكون تحت هذا. لكن جهة العلو والسفل للأفلاك لا تتغير،
فالمحيط هو العلو والمركز هو السفل، مع أن وجه الأرض التي وضعها الله للأنام،
وأرساها بالجبال، هو الذي عليه الناس والبهائم والشجر والنبات، والجبال والأنهار
الجارية.. فأما الناحية الأخرى من الأرض فالبحر محيط بها، وليس هناك شيء من
الآدميين وما يتبعهم، ولو قدر أن هناك أحدا لكان على ظهر الأرض ولم يكن من في هذه
الجهة تحت من في هذه الجهة، ولا من في هذه تحت من في هذه، كما أن الأفلاك محيطة
بالمركز، وليس أحد جانبي الفلك تحت الآخر، ولا القطب الشمالي تحت الجنوبي، ولا
بالعكس.. وإن كان الشمالي هو الظاهر لنا فوق الأرض وارتفاعه بحسب بعد الناس عن خط
الاستواء، فما كان بعده عن خط الاستواء ثلاثين درجة مثلا كان ارتفاع القطب عنده
ثلاثين درجة، وهو الذي يسمى عرض البلد، فكما أن جوانب الأرض المحيطة بها وجوانب
الفلك المستديرة ليس بعضها فوق بعض ولا تحته، فكذلك من يكون على الأرض من الحيوان
والنبات والأثقال لا يقال: إنه تحت أولئك، وإنما هذا خيال يتخيله الإنسان، وهو تحت
إضافي؛ كما لو كانت نملة تمشي