يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال، حتى
أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحروا من رق الأغلال وتحققوا
بحقائق الوصال وأنهم قائمون بالحق، تجري عليهم أحكامه، وهم محو، وليس لله عليهم
فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب ولا لوم، وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية، واختطفوا عنهم
بالكلية، وزالت عنهم أحكامه للبشرية. وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية،
والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا، والنائب عنهم سواهم فيما تصرفوا، بل صرفوا)[1]
مع العلم أنه
هو نفسه القائل قبل هذا الكلام: (جعل الله هذه الطائفة [أي الصوفية] صفوة أوليائه،
وفضلهم على الكافة من عباده، بعد رسله وأنبيائه، صلوات الله وسلامه عليهم، وجعل
قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره. فهم الغياث للخلق،
والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق. صفاهم من كدورات البشرية، ورقاهم إلى
محال المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية. ووفقهم للقيام بآداب العبودية،
وأشهد مجارى أحكام الربوبية. فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات تكليف، وتحققوا بما
منه سبحانه لهم من التقليب والتصريف. ثم رجعوا إلى الله، سبحانه وتعالى، بصدق
الافتقار، ونعت الانكسار، ولم يتكلوا على ما حصل منهم من الأعمال، أو صفا لهم من
الأحوال. علما منهم بأنه جل وعلا يفعل ما يريد، ويختار من يشاء من العبيد)[2]
وهكذا وقف
قبله السُلمي (ت412هـ) الذي يعتبر مرجعا كبيرا للصوفية من خلال كتبه المعتمدة
لديهم، وخاصة كتابه المشهور [اللمع]، فهو لم يكتف بما ذكره القشيري، وإنما راح
يؤلف رسالة كاملة في نقد الصوفية سماها[رسالة في غلطات الصوفية]، ومما