جاء في مقدمتها قوله: (واعلم أن في زماننا
هذا قد كثر الخائضون في علوم هذه الطائفة، وقد كثر أيضا المتشبهون بأهل التصوف
والمشيرون إليها والمجيبون عنها وعن مسائلها، وكل واحد منهم يضيف إلى نفسه كتابا
قد زخرفه، وكلاما ألفه، وليس بمستحسَن منهم ذلك؛ لأن الأوائل والمشايخ الذين
تكلموا في هذه المسائل وأشاروا إلى هذه الإشارات ونطقوا بهذه الحِكَم، إنما تكلموا
بعد قطع العلائق، وإماتة النفوس بالمجاهدات والرياضات والمنازلات والوجد
والاحتراق، والمبادرة والاشتياق إلى قطع كل علاقة قطعتهم عن الله -عزَّ وجلَّ-
طرفة عين، وقاموا بشرط العلم، ثم عملوا به، ثم تحققوا في العمل فجمعوا بين العلم
والحقيقة والعمل)[1]
ثم راح يفصل
أصناف الأخطاء التي وقعوا فيها، والتي انحرفت بهم عن المنهج الأصيل الذي هو السلوك
التحققي والتخلقي.. فقال: (فطبقة منهم غلطوا في الأصول: من قلة إحكامهم لأصول
الشريعة، وضعف دعائمهم في الصدق والإخلاص، وقلة معرفتهم بذلك.. وطبقة ثانية: منهم
غلطوا في الفروع، وهي: الآداب، والأخلاق، والمقامات، والأحوال، والأفعال،
والأقوال؛ فكان ذلك من قلة معرفتهم بالأصول، ومتابعتهم لحظوظ النفوس ومزاج الطبع؛
لأنهم لم يدنوا ممن يُروضهم، ويجرعهم المرارات، ويُوقفهم على المنهج الذي يؤديهم
إلى مطلوبهم.. والطبقة الثالثة، كان غلطهم فيما غلطوا فيه: زلة وهفوة، لا علة
وجفوة؛ فإذا تبين ذلك عادوا إلى مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، فسدُّوا الخلل،
ولَمُّوا الشَّعَث، وتركوا العناد، وأذعنوا للحق، وأقروا بالعجز؛ فعادوا إلى
الأحوال الرضية والأفعال السنية والدرجات الرفيعة، فلم تنقص مراتبهم هفوتُهم، ولم
تظلم الوقتَ عليهم جفوتُهم، ولم تمتزج بالكدورة