أحدهما لأجل
الآخر.. ولا يقدمون أحدهما على الآخر.. لأن كليهما شرع.. فمسلمات العقول هي شريعة
الله التي شرعها الله لها في جبلتها وفطرتها، وإلا ما دعا (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)
إلى استفتاء العقول والقلوب.
ففي الحديث عن وابصة
الأسدي قال: أتيت رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، وأنا أريد أن لا
أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته، فأتيته في عصابة من الناس يستفتونه، فجعلت
أتخطاهم، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، فقلت: دعوني أدنو
من رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه، قال: (دعوا وابصة، ادن يا
وابصة، استفت قلبك، واستفت نفسك، استفت قلبك، واستفت نفسك، البر ما اطمأنت إليه
النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك
الناس وأفتوك، ثلاثا)[1]
والحديث صريح
في الدلالة على أن على المتلقي ألا يضع نفسه بين يدي المفتي كالميت بين يدي الغسال
كما يشاع، وإنما عليه أن يناقش ويبحث ويتأكد، ويستفتي قلبه ونفسه، حتى لا يقع فيمن
ذكرهم الله تعالى، فقال: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ
الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَاب
(166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ
مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ
حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار﴾
[البقرة:166-167]
ولذلك فإن المقولة
الشائعة: (ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالم)، أو قولهم (ضع بينك وبين النار شيخ)
غير صحيحة، بل متناقضة مع كل القيم العقلية والقرآنية.. لأن أقوام الأنبياء طبقوا
هذه المقولات، وخضعوا للملأ من قومهم.. فأضلوهم سواء السبيل..
[1] رواه أحمد 4/228 (18164) وفي
(18169)، والدارمي: 2533.