يتوهم
الكثيرون أن الدين هو مجموعة عواطف وانفعالات وجدانية تجعلهم يتحركون ويهتزون، أو
يمارسون أي سلوك لتلبية ما تتطلبه تلك العواطف من أفعال.
لكنهم يخطئون
كثيرا في ذلك.. فالعواطف المجردة عن العلم والعقل والتحقيق أوهام كاذبة، وشباك
يصطادهم بهم الشيطان، ليوقعهم في دجله وانحرافاته، ويجعلهم سدنة لخدمة مشروعه.
ولذلك بدأ
الله تعالى رسالة نبيه (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) بالأمر بالقراءة..
والقراءة تقتضي التدبر.. والتدبر يقتضي تفعيل العقل، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ
إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ
تَتَفَكَّرُوا﴾ [سبأ: 46]
ولذلك فإن
القلب في القرآن الكريم لا يعني المحل الذي تتنزل فيه العواطف، وتتحرك فيه
المواجيد فقط .. بل يعني قبل ذلك المحل الذي تصنع فيه الأفكار.. فالمواجيد المجردة
عن العقل هوى كاذب، وتلبيس شيطاني ماكر، قال تعالى: ﴿أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]
بناء على هذا
المعنى انطلق الشيطان ليخرب المشروع الإلهي الذي جاء به رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) عبر إشعال تلك الغرائز الكاذبة المسماة عواطف..
وكان أول ذلك أن أخرج معاوية للناس قميص عثمان، وهو ملطخ بالدماء ليحرك عواطفهم
لحرب الإمام علي، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار..
والتفتت تلك
العواطف الباردة لتلك الدماء التي امتلأ بها القميص.. وبكوا كثيرا.. واستغل
الشيطان بكاءهم ليملأهم بالأحقاد.. وليرسلهم لحرب بقية الصدق التي بقيت في
الأمة..واستطاع أن يحقق مشروعه بعد ذلك بنجاح.