ولهذا أخبر
الله تعالى رسوله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) أن مهمته قاصرة على
البلاغ والتبيين وإقامة الحجة بالدليل والبرهان.. وليس عليه بعدها أن يحرك العقول
لتقتنع أو لاتقتنع لأن ذلك يخضع لاعتبارات نفسية كثيرة.. فقد لا يقتنع الشخص حين
إقامة الحجة عليه، ولكنه بعد أن يعمل عقله، ويفكر في البراهين، يتغلب على نفسه،
ويؤمن بعد ذلك.
ومن الآيات
الواردة في ذلك، والتي تحدد بدقة دور سيد الدعاة وإمامهم وقدوتهم رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ
مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) ﴾ [الغاشية: 21 - 22]،
وقوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ
عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ﴾ [الشورى:48].
فالله تعالى
في هذه الآيات الكريمة يحدد وظائف رسول لله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) بدقة .. وأنه ليس عليه ولا علي أي داعية
يستن بسنته أن يمارس استبداده وتسلطه مع أي كان.. لأن الهداية من الله، والجزاء
لله، قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: 56]
وهكذا كان يفعل رسول
الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) .. فلم يكن يستعمل إلا هذه الأساليب التي كلف برعايتها.. وقد ورد في الحديث
أن شابا جاء يستأذن رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) في الزنا، وبكل جرأة
وصراحة، فهمَّ الصحابة أن يوقعوا به؛ فنهاهم (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) ثم أدناه بتلطف، وقال
له:(أترضاه لأمك؟!)، قال: لا، فقال رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم):(فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم)، ثم قال:(أترضاه
لأختك؟!)، قال: لا، فقال (صلیاللهعلیهوآلهوسلم):(فإن الناس لا
يرضونه لأخواتهم)[1]، وهكذا صار الزنى أبغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد،
بسبب هذا الإقناع العقلي.
وفي حديث آخر
عن بعض الصحابة قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)
إذ