وقال: (ثم إن
الله صدقه في إيمانه بقوله ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ
الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 91] فدل على إخلاصه في إيمانه ولو لم يكن مخلصاً
لقال فيه تعالى كما قال في الأعراب الذين قالوا آمنا ﴿ قُلْ لَمْ
تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي
قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 14] فقد شهد الله لفرعون بالإيمان وما كان الله
ليشهد لأحد بالصدق في توحيده إلا ويجازيه به)[2]
وقد تلقى
تلاميذ الشيخ الأكبر هذه الكلمات، كما تلقى تلاميذ شيخ الإسلام كلمات شيخهم، وكأنه
وحي منزل لا يصح البحث فيه، ولا التحقيق، حتى لو كان مضادا للقرآن الكريم ومقاصده.
وقد غاب عنهم
أن الإيمان ليس المراد به تلك المعرفة الذهنية المحدودة، وإنما هو الإذعان
والتسليم لله.. لأن المعرفة وحدها قد تتحقق للكافر، لكنه بجحوده لا يذعن لها، كما
قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا
وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 14]
ولذلك فإن
لقب الإيمان لقب عظيم لا يستحقه إلا من وفى بحق الإذعان التام، والتسليم المطلق،
كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]
بل إن الله
تعالى أخبر أن هناك محال لا يقبل فيها الإيمان، لأن الاختبار قد انتهى أجله، كما
قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ
أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ