وهكذا فإن
فرعون بعد أن رأى ما رأى لا ينفعه ذلك، بنص القرآن الكريم نفسه، فالله تعالى أخبر
أن موسى عليه السلام دعا عليه وعلى المتكبرين ممن معه، فقال: ﴿رَبَّنَا
إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى
أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا
الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 88]
بل أخبر الله
تعالى أن هذه سنته في الطغاة، وأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم: ﴿إِنَّ
الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ
جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: 96،
97]
وهكذا أخبر
في آية أخرى، وعن قوم هم أقل بكثير من فرعون، وجرائمهم أقل بكثير من جرائمه، ومع
ذلك أخبر الله تعالى أنه لم يرد أن يطهر قلوبهم، لأن الران الذي استولى عليهم
حرمهم من هداية الله، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ
الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا
بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ
لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ
مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ
تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ
الله شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ
لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
[المائدة: 41]
ولهذا فإن
الإيمان المزعوم لفرعون لا ينفع صاحبه، بل هو معرفة تقام بها الحجة عليه، ولا
تنفعه كما يزعم أتباع ابن عربي، الذين لم يكتفوا بما قال شيخهم، بل راحوا يضيفون
إليه الكثير من التوابل والمسوغات التي حولت فرعون من عدو من أعداء الله إلى ولي
من أوليائه.