دِينِهِم
مَّا كَانُواْ يَفْتَرُون﴾، فدين البشر يعتمد على تلك الأكاذيب التي يكذبون
بها على أنفسهم، ثم يفرضونها على ربهم، ويتصورون أن الجنة والنار صارت بيدهم، لا
بيد ربهم.
وما ذكره
القرآن الكريم عن اليهود، هو نفسه ما وقع فيه النصارى، فقد قال كعب أحبارهم: (يا
أولادي أكتب إليكم هذا لكي لاتخطئوا وإن أخطأ أحدٌ فلنا شفيع عند الأب، يسوع المسيح
البار، وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً) [رسالة
يوحنا الرسول الأولى 2: 1)]
وللأسف فإننا
عندما نبحث في التراث النصراني لا نجد إلا نصوصا محدودة جدا من أمثال النص السابق،
لكنا عندما نبحث في تراثنا الحديثي نجد نصوصا كثيرة جدا، ترفع إلى رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، لتناقض كل القيم القرآنية، بل كل القيم التي جاءت
النبوة لغرسها، والدعوة إليها.
فكيف يستقيم
أن يقول النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) في بيان المقصد
الأكبر من مقاصد دعوته: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[1] ، ثم تأتي تلك النصوص لتهدم هذا المقصد من أساسه.
ذلك أنه من
المعلوم أن الأخلاق تحتاج في فرضها والدعوة إليها إلى حوافز، تدفع إلى العمل بها،
وعقوبات تنفر من الوقوع في أضدادها.. فإذا ما رفعت العقوبات.. ولم تبق إلا الحوافز
التي يستوي فيها العاملون والمقصرون.. حينها لن تبقى أي قيمة.. بل لن يبقى أي دين.
فهل يمكن ـ
على سبيل المثال ـ أن يستقيم أمر دولة تضع القوانين المشددة للجرائم.. ثم تضع
بعدها قانونا واحدا يقول: كل العقوبات السابقة ليس لها من مقصد إلا التهديد
والوعيد .. لكنها في الواقع لا أثر لها.. فيمكن لمن استحق العقوبات أن يأتي
[1] رواه أحمد (2/381، رقم 8939) ، وابن
سعد (1/192) البيهقى (10/191، رقم 20571)