ويذكر قصة في ذلك عن بعض المشايخ أن كا له سنور وكان يأخذ من قصاب كان في
جواره كل يوم شيئا من الغدد لسنوره، فرأى على القصاب منكرا، فدخل داره أولا، وأخرج
السنور، ثم جاء واحتسب عليه، فقال له القصاب: (لا أعطيك بعد هذا شيئا لسنورك)، فقال
الشيخ: (ما احتسبت عليك إلا بعد إخراج السنور، وقطع الطمع منك)[2]
ولذلك كان السلف يتخوفون من ثناء الناس عليهم خوفا من أن يكون مصدر ذلك مداهنتهم
لهم.
2 ـ تقصيرهم أو تفريطهم في العمل الصالح، وارتكابهم المعاصي والفواحش بسبب
الغلو في كلب الدنيا، فمطالبها يجر بعضها إلى بعض.
وقد بين الغزالي العامل النفسي لذلك التناقض بين علمهم وعملهم فقال: (وفرقة
(أي من أهل العلم) أحكمو العلوم الشرعية والعقلية وتعمقوا فيها، واشتغلوا بها، وأهملوا
تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصي، واعتبر بعلمهم وظنوا أنهم عند الله بمكان، وأنهم قد
بلغوا من العلم مبلغا لا يعذب الله مثلهم، بل يقبل في الخلق شفاعتهم)[3]
ويضرب لهؤلاء مثلا بالمريض الذي به علة
لا يزيلها إلا دواء مركب من أخلاط كثيرة لا يعرفها إلا حذائق الأطباء، فسعى في طلب
الطبيب، فلما عثر عليه، وفصل الأخلاط وأنواعها ومقاديرها ومعداتها فتعلم كل ذلك وكتب
منه نسخا، فلما رجع إلى بيته أخذ يكررها، ولا يشتغل بشربها واستعمالها، يقول الغزالي:
(أفترى ذلك يغني عنه من مرضه شيئا؟ هيهات هيهات لو كتب منه ألف نسخة، وعلمه ألف مريض
حتى شفي جميعهم،