هذه الحجب التي تحول بيني وبين محمد.. فليس من بينها
العقل.. العقل وحده يقف في معارضة كل هذه الحجب.
قال ذلك بنبرة حزينة تخفي آلاما لست أدري سرها.
قلت: لا عليك.. حدثني عما يراه عقلك.. ودعنا من نفسك.
قال، وكأنه لم يسمع ما قلت له: أتدري.. إني أقرأ آية من
القرآن، فأجدها تنطبق علي تماما.. لست أدري.. هل أنا هو المقصود منها، أم المقصود
منها غيري.. لقد ورد في كتاب المسلمين:{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ
ظُلْماً وَعُلُوّاً} (النمل: 14)
إن هذه الآية تصور نفسي.. فهي مستيقنة بالحقيقة التي تنتشر
أشعتها، كما تنتشر أشعة الشمس.. ولكني في نفس الوقت لا أستطيع أن أنطق بالحقيقة
التي يمتلئ بها قلبي وعقلي ووجداني..
قلت: دعنا من هذا.. ولنعد إلى ما كنا فيه.
قال: لقد علمت ـ من خلال القرآن ـ أن محمدا بلغ كل ما أنزل
إليه من ربه.. لم ينس حرفا واحدا[1]..
قلت: ولكن القرآن الكريم أخبر بأن محمدا ينسى.. ألم تقرأ
ما ورد فيه:{ سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ}
(الأعلى:6 ـ 7)، فهذه الآية، والتي تليها، تدل ـ بطريق الاستثناء ـ على أن محمدًا
قد أُنسي آيات لم يجد من يذكره إياها.. اقرأ الآيتين جيدا.. ألا تراها تدل على
جواز النسيان على محمد؟
قال: إن ما ذكرته من الآية لا يدل على جواز نسيان محمد
القرآن.. بل معنى الآية:( سنعلمك القرآن، فلا تنساه )، فهي تدل على عكس ما أوردته
من الاستدلال.
[1] سنذكر الأدلة الكثيرة على هذا في الفصول التالية.