أو بين أن يأتي بقصص جديدة، سيتيه الناس في البحث عن
حقيقتها، وتاريخها، ومحالها، وينشغلون بكل ذلك عن المعاني التي جاء القرآن
لتقريرها[1].
التفت إلي، وقال: هل ترى احتمالا آخر غير هذين؟
قلت: لا.. هذان احتمالان حاصران.. ولكن لم اختار القرآن
القصص الواردة في الكتاب المقدس، لم لم يختر غيرها؟
قال: لو اختار غيرها من قصص الهنود أو الفرس لقلتم: إن
القرآن مقتبس من الهنود أو الفرس.. هو لن ينجو لا محالة من اتهاماتكم.. ولكنه مع
ذلك اختار القصص التي في الكتاب المقدس.. لأنه يعترف به كتابا مقدسا من جهة..
ويعترف بما حصل فيه من تحريف، ويذكر أن من أهدافه تقويم تلك التحريفات من جهة
أخرى.
وبعد ذلك، فإن تلك القصص حدثت على الأرض التي نزل فيها، أو
قريبا منها، ولهذا ترى القرآن يأمر بالاعتبار بتلك القرى التي لا تزال آثار
هلاكها.. اسمع ما قال القرآن في لوط وقوم لوط:{ وَإِنَّ لُوطاً لَمِنْ
الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلاَّ
عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ
لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
(138)(الصافات).. وهو يقول عن غيرهم:{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}(النمل:69)
إن القرآن كتاب هداية.. ولذلك لا تهمه القصص بقدر ما تهمه
العبر التي يستفاد منها، ولذلك هو يخاطب الناس بالقصص التي يعرفونها ليربيهم بها.
قلت: ولكنه قد يخرج أحيانا عن قصصنا ليؤلف قصصا جديدة.
[1] وقد ورد القرآن بمثل هذا النوع من
القصص كقصة أهل الكهف وعاد وثمود وغيرها.