لمحاولة فهمها.. وهو ما يخرجها عما صورناها به من الفراغ
واللغو.. ولكن مع ذلك، فالقرآن يحوي تفاصيل طويلة في بعض الأمور.. ألم تقرأ آية
الدين.. أو آيات المواريث.. أو آيات المحرمات من النساء.. إن فيها كلاما طويلا
مملا؟
قال: لا.. كل كلمة من تلك الكلمات بحر من بحار المعاني..
والشريعة تقتضي تلك التفاصيل.. زيادة على أنها في قضايا كبرى تمس الحياة الإنسانية
جميعا.. والاختصار في مثلها تقصير.. سأضرب لك مثلا بما ورد في تقسيم المواريث..
لقد جاء محمد في بيئة تجور كثيرا في تقسيم التركات، فلذلك
احتاج إلى وضع نظام عادل يقضي على ذلك الجور.. وهو جور خطير.. فالمال الذي ظل
صاحبه يجمعه طول عمره سينتقل إلى أياد أخرى.. وهو أمر لا يتعلق بتلك الأيادي فقط..
بل بالمجتمع جميعا.. ولهذا ترى القرآن يذكر هذا، بل يكرر الألفاظ من باب التأكيد
حتى لا يأتي من ينكر مثل هذه الأحكام بحجة عدم ورودها في القرآن.
ومثل ذلك القول في آية المداينة.. فقد جاء القرآن بتحريم
الربا، ووضع بدله القرض الحسن.. القرض الذي ليس فيه أي فائدة.. ولكن هذا القرض قد
يسيء البعض استغلاله، فيجحد صاحبه، فلذا اهتم القرآن بتفاصيل توثيقه حتى لا يتلاعب
به العابثون.. وهكذا..
زيادة على ذلك.. قارن ـ حضرة الحبر ـ بين طول آية الدين
والمعاني الكثيرة التي تحويها.. وهي معان تشمل العقيدة والسلوك بالإضافة إلى
الأحكام المرتبطة بالدين بما ورد في الكتاب المقدس من أحكام كثيرة قد لا ترتبط
بأمر ذي أهمية كبرى..
قارن هذا بما ورد في التوراة من أحكام البرص.. ألا ترى أنه
من الغرابة أن يحتل موضوع البرص ثلاثة إصحاحات كاملة في سبع صفحات من الكتاب
المقدس[1]!؟
[1] سنذكر هذا المثال بتفصيل في فصل
(العقلانية) من هذا الجزء.