القصاص حياة حكم بليغة غاية في الإتقان، منها إبانة العدل
بذكر القصاص، والإفصاح عن الغرض المطلوب فيه من الحياة، والحث بالرغبة والرهبة على
تنفيذ حكم الله تعالى به، والجمع بين ذكر القصاص والحياة.
واسمع ما ورد في قصة إخوة يوسف:{ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا
مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً }(يوسف: 80)، وهذه صفة اعتزالهم لجميع الناس، وتقليبهم
الآراء ظهراً لبطن، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه، وما يوردون
عليه من ذكر الحادث، فتضمنت تلك الكلمات القصيرة معاني القصة الطويلة.
واسمع:{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ
إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}(لأنفال:58)،
فلو أراد أحد الأعيان الأعلام في البلاغة أن يعبر عنه لم يستطع أن يأتي بهذه
الألفاظ القليلة المؤدية للمعنى.. لأن معناها:( إن كان بينكم وبين قوم هدنة وعهد،
فخفت منهم خيانة أو نقضاً، فأعلمهم أنك نقضت ما شرطت لهم، وآذنهم بالحرب، لتكون
أنت وهم في العلم بالنقض على سواء )