قال: فلا تنظر القذى في عين أخيك، وتنسى الجذع في عينك.
قلت: أنا لم أرد أن أبرئ الكتاب المقدس.. بل أردت فقط أن
أذكر أن هذا الإيجاز الذي تتحدث عنه لم يتحقق في القرآن كما لم يتحقق في الكتاب
المقدس.. فهما سواء في ذلك.
قال: ألم أطلب منك أن تصبر؟.. لقد ذكرت لك الشق الأول من
المقارنة.. ولا يصح أن نسمع في المقارنة لواحد، ونغفل عن الثاني.
قلت: فما الذي وجدته في أسرار التكرير في القرآن؟
قال: إن شئت الصراحة والموضوعية، فالقرآن لا يحتوي على أي
تكرار.. بحثت عن التكرار في كل القرآن.. فلم أجده.
قلت: كيف تقول ذلك؟.. خذ هذا المثال البسيط عن التكرار..
ففي آية يقول القرآن:{ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}(البقرة:49)، وفي آية
أخرى من سورة أخرى يقول: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي
ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}(ابراهيم:6)
قال: نعم[1].. هاتان الآيتان
تتحدثان عن موضوع واحد.. ولكن هناك اختلافا واضحا بين الآيتين:
فالآية الأولى خطاب من الله إلى بنى إسرائيل يذكرهم بنعمه
عليهم، ويمن عليهم بأنه نجاهم من آل فرعون الذين يسومونهم سوء العذاب.
أما الثانية، فهي خطاب من موسى إلى قومه يذكرهم بنعم الله
عليهم، ويذكرهم بالذات بتلك النعمة الكبرى، وهى تنجيتهم من آل فرعون الذين
يسومونهم سوء العذاب.
[1] رجعنا في كثير من الأمثلة هنا إلى
كتاب (لا يأتون بمثله ) لمحمد قطب.