قال: هي مكررة في أكثر الأطعمة.. ولكن الأطعمة مع ذلك
تتعدد أذواقها وألوانها.. أليس كذلك؟
قلت: بلى.. ذلك صحيح.
قال: فهكذا هذا الأمر.. لقد رأيت من خلال تأملي في تكرار
القرآن تشابها كبيرا بينه وبين البناء الكوني.. فالكون مبني على لبنات محدودة..
وهكذا القرآن.. فالقصص مثلا محدودة.. ولكنها تستعمل كل مرة لبيان غرض معين.
قلت: فلم لم يستخدم القرآن قصصا أخرى.. أم أن خزان
معلوماته خال من المعلومات؟
قال: خطأ الذين يرمون القرآن بالتكرار هو تصورهم أن القرآن
كتاب معلومات.. هو ليس كذلك.. لذلك لا تجده يؤرخ لشيء..
قلت: فما هو إذن؟
قال: لقد نص على أنه كتاب هداية ووعظ وتربية.. وكونه كذلك
يستدعي الاقتصار من القصص والأمثال على موضع الشاهد لا يعدوه إلى تفاصيله.
قلت: فلم لم يذكر التفاصيل؟
قال: لئلا ينشغل المهتدي بالتفاصيل عن موضع العبرة.
قلت: فلم ذكرت التفاصيل في كتبنا؟
قال: لأنها كتبت من الإسرائيليين وهم مغرمون بالتفاصيل..
لقد ذكر القرآن ذلك عنهم في قصة البقرة.. اسمع هذه القصة الرائعة التي تبين لك
النفسية الإسرائيلية:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ
أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا
فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ