قلت: أجل، فقد تكررت { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ) (الرحمن:13، وغيرها)في مواضع كثيرة من سورة الرحمن.. وتكررت:{ فَكَيْفَ كَانَ
عَذَابِي وَنُذُرِ) (القمر:16، وغيرها) في مواضع من سورة القمر.. وتكررت:{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) (المرسلات:15، وغيرها) في مواضع من سورة المرسلات.
قال: فلنبدأ بالسورة الأولى.. وهو ما ورد من تكرار فى سورة
الرحمن، فقد تكررت هذه الآية:{ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إحدى وثلاثين
مرة في السورة.. وذلك التكرار قد نزل على قومنا كالماء البارد في جوف الظمآن.. فهم
يشهرونها، ويشهرون بالقرآن بسببها.
قلت: وحق لهم ذلك.. فكيف يقع تكرار في سورة واحدة بهذا
العدد الضخم؟
ابتسم، وقال: لكن هذا التكرار ليس تكرارا لشؤون بسيطة..
إنه تكرار لقضايا عميقة ترتبط فيها الآية كل مرة بمعنى جديد.
إن هذا التكرار الذي يأتي مرسلا لذيذا دليل عظيم على أن
القرآن يهتم بالمعاني أكثر من اهتمامه بالألفاظ.. بل الألفاظ عنده حاوية للمعاني
دالة عليها، لا مقصودة لذاتها.
إن الطابع الغالب على سورة الرحمن هو تعداد النعم على
الثَقَلين من الإنس والجن، ولهذا يأتي بعد كل نعمة أو نِعَم هذه الآية:{ فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
وعلى هذا يمكن فهم عِلّة التكرار الذى حفلت به هذه
السورة.. فهو تذكير وتقرير لنعم الله، وأنها من الظهور بحيث لا يمكن إنكارها أو
التكذيب بها.
لقد قال بعض الأدباء في تعليل هذا:( فتكرار الفاصلة فى
الرحمن.. يفيد تعداد النِّعَم والفصل بين كل نعمة وأخرى لأن الله سبحانه عدَّد فى
السورة نعماءه وذكَّرعباده بآلائه. ونبههم على قدرها وقدرته عليها ولطفه فيها.
وجعلها فاصلة بين كل نعمة لتعرف موضع ما أسداه إليهم منها. ثم فيها إلى ذلك معنى
التبكيت والتقريع والتوبيخ؛ لأن تعداد النِعَم والآلاء من الرحمن تبكيت لمن أنكرها