كما يبكت منكر أيادى المنعَم عليه من الناس بتعديدها )[1]
قلت: ولكن هذه الفاصلة تكررت تالية ما ليس بنعمة من وعيد
وتهديد.. ألم تقرأ في هذه السورة:{ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا
تَنْتَصِرَانِ) (الرحمن:35)، و{ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ
بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) (الرحمن:41)، و{ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي
يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) (الرحمن:43)، فقد تليت كل آية من هذه الآيات بتلك
الفاصلة، فكيف يستقيم ذلك.. وظاهر هذه الآيات بلاء وانتقام وليس بنعم.
قال: تأمل جيدا.. أليس في الإنذار والوعيد وبيان مآل
الضالين عصمة للإنسان من الوقوع فيما وقعوا فيه، فيكون مصيره مصيرهم.
قلت: أجل.. ذلك صحيح.
قال: فبهذا الاعتبار يمكن اعتبار هذه المواضع مندرجة تحت
النعم، لأن النعمة نوعان: إيصال الخير، ودفع الشر. والسورة اشتملت على كلا النوعين
فلذلك كررت الفاصلة.
قلت: وما تقول في التكرار الوارد في فاصلة فى سورة القمر؟
قال: فى سورة القمر تتكرر هذه العبارة:{ فَكَيْفَ كَانَ
عَذَابِي وَنُذُرِ) (القمر:16، وغيرها)، وهي في كل موضع تعقب على قصة من القصص.
وأول القصص المذكورة في السورة قصة قوم نوح، فبعد أن صوَّر
القرآن مظاهر الصراع بينهم وبين نوح، ثم انتصار الله لنوح عليهم، حيث سلَّط عليهم
الطوفان، فأغرقهم إلا مَن آمن وعصمه الله.. تأتي الفاصلة القرآنية لتنزع جلباب
التاريخ من قصة نوح وقوم نوح وتعيد إليها الحياة بهذه الفاصلة.. والتي سبقت بهذه
لآية:{ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
(القمر:15)
وقد تصدرت هذه الفاصلة باسم الاستفهام (كيف) لتترك الذهن
يبحث في الكيفية العجيبة