انتهت الصلاة.. وتفرق المصلون بعدها.. منهم من قام مسرعا
إلى حذائه ينتعله، ويخرج بعد أن أدى واجبه.. ومنهم من بقي في المسجد يصلي أو يذكر
أو يقرأ القرآن.. وقد كان منظرا جميلا.. منظر الحرية الشخصية في التعبد في المسجد.
شد انتباهي رجل لم يكن بعيدا عني.. كان يقرأ
القرآن..وعيناه تفيضان من الدموع.. كان الخشوع باديا على وجهه، وكانت الأنوار
تكسوه بهالة من الوقار لم أرها في أحد طيلة حياتي.
استأذنت صاحبي في أن أقترب من ذلك القارئ، فأذن لي..
فاقتربت منه، وحييته بتحية الإسلام احتراما للمحل الذي أجلس فيه، فرد علي السلام.
لم أرد أن أظهر أمامه باعتباري مسلما، فلذلك قلت: أنا
مسيحي.. زرت هذه البلاد في مهمة خاصة..
نظر إلي، وهو يبتسم، وقال: جئت لأجل الإشراف على طباعة
طبعة خاصة من الكتاب المقدس.
قلت: أجل.. وما أدراك بذلك؟
قال: أنا أعمل في تلك المطبعة منذ سنوات طويلة.
قلت: لم أكن أعلم أن تلك المطبعة توظف مسلمين.
قال: ومن قال لك بأني مسلم.. أنا مسيحي.
ازداد عجبي، وقلت: أأنت مسيحي؟.. وتجلس في المسجد كما يجلس
المسلمون، وتقرأ القرآن كما يقرؤون، بل وتبكي كما يبكي خاصة المسلمين.
قال: لذلك قصة قد لا تهمك تفاصيلها.. ولكني سأذكر لك منها
ما قد ينفعك في يوم من الأيام، فتجلس مثلي في مثل هذا المجلس.