صادقا.. فكيف لكتاب جاء من تلك القرون الطويلة، من بيئة
بدوية، ومن رجل أمي أن تكون له هذه الموسوعية والشمولية.
بينما أنا أسير تلك الخواطر إذ أمسك بي رجل، ظن أني لم
أعرف قاعة المحاضرات، وقال: تعال معي لأدلك على قاعة المحاضرات.. أنا سائر الآن
إليها.. في هذا المساء محاضرة ممتازة عن أسباب سقوط الحضارات من خلال القرآن
الكريم.
لم أدر إلا وأنا أسير معه، ولكني ـ خشية أن يتعامل معي
كمسلم ـ قلت له: أنا مسيحي.. فهل يأذنون للمسيحيين بدخول هذه المحاضرات؟
ابتسم، وقال: ومن تظنني!؟.. أنا مسيحي مثلك.. بل فوق ذلك..
ستستمع إلى محاضر مسيحي.. ولكنه مسيحي منصف..
قلت: كيف ينصر مسيحي دين غيره؟
قال: هو لا ينصر.. ودين محمد لا يحتاج من ينصره.. لقد جاء
لتقديم هذه المحاضرة بعد أن اقنع اقتناعا تاما بالعلاج القرآني لهذه الظاهرة..
ظاهرة سقوط الحضارات.. بل فوق ذلك كله، فإن هذا الرجل لإخلاصه لم يتقاض ما يقدم
لغيره من الأساتذة من مكافآت على محاضراته.. بل فوق ذلك كله طلب أن يوضع نصيبه من
المكافأة في خدمة البحوث المرتبطة بالقرآن.
قلت: ما الذي دعاه إلى كل هذا الزهد؟
قال: أنا أعرف هذا الرجل.. بل تشرفت بالتلمذة عليه في يوم
من الأيام.. فهو مع مسيحيته المتجذرة ـ إلا أنه يفتخر بانتمائه للحضارة
الإسلامية.. هو يعتبرها الحضارة الإنسانية الوحيدة على الأرض.. وهو لذلك ينتقد
الحضارة الغربية انتقادا شديدا.. بل يراها أعظم الحظارات خطرا على المسيحية.