قلت: لقد عرفنا الشكوك التي يمكن توجيهها لكثير من أسفار
الكتاب المقدس.. فلنتحدث عن قرآن المسلمين.. هل ترى أنه ظل محفوظا مثل ما نطق به
محمد.. لم يزيدوا حرفا واحدا.. ولم ينقصوا حرفا واحدا.. ولم يبدلوا شيئا، ولم
يغيروا.
قال: لقد بحثت في هذا بحثا مضنيا.. بل لدي ركن من المكتبة
خاص بذلك.. جمعت فيه النسخ والأسانيد.. وقد خرجت بنتيجة قد لا تعجبك.
قلت: ما هي؟
قال: إن كتاب المسلمين هو الكتاب الوحيد الذي حفظ.. فلم
يزد فيه حرف واحد، ولم ينقص منه حرف واحد، ولم تزده الأيام إلا ثبوتا ورسوخا.
أشار إلى مصحف، وقال: كل ما هو بين دفتي هذا المصحف مما
أخبر محمد أنه نزل عليه.
قلت: إن هذا كلام مجمل يحتاج إلى توثيق وأدلة.. ألا تعلم
أن لي عقل قاض؟
قال: وأنا جاهز لذلك ـ حضرة القاضي ـ
قلت: ما هي أصناف الأدلة التي يمكن أن تستدل بها لكتاب وجد
منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.. هل سنبدأ الحكاية من أولها كما فعلنا مع الكتاب
المقدس؟
قال: أجل.. لا مناص لمن يريد أن يبحث في التوثيق أن يبدأ
السند من أوله.
قلت: فما أول السند؟
قال: هو محمد.. أليس محمدا هو الذي أخبر بأن هذا القرآن هو
كلام الله الذي أوحى به إليه؟
قلت: بلى.. لا شك في ذلك.. وهذا مما يعلمه العالم أجمع.
قال: وهذا يحوجنا أن نتأكد من أن محمدا قد ألقى إلى أصحابه
كل ما أوحي إليه، وأنه لم يمت حتى ترك كتابه في أيد أمينة.