وفي لفظ: فأفرغها في قدح فتوضأنا
كلنا ندغفقه دغفقة[1] وكنا أربع عشرة مائة[2].
ومنها ما حدث به عمران بن حصين قال:
كنا مع رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في سفر، فاشتكى إليه الناس
العطش، فنزل ثم دعا عليا، ورجلا آخر[3]، فقال: (اذهبا فابغيا الماء
فإنكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا معها بعير عليه مزادتان [4] فأتيا بها)، فانطلقا فلقيا
امرأة بين مزادتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء
أمس هذه الساعة، فقالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم قالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو
الذي تعنين [5]، فانطلقا فجاءا بها إلى النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم وحدثاه بالحديث، قال: فاستنزلوها عن
بعيرها ودعا النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم بإناء، فأفرغ فيه من أفواه
المزادتين، فمضمض في الماء، وأعاده في أفواه المزادتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق
الغرارتين، ونودي في الناس: (اسقوا، واستقوا)، فسقى من شاء، واستقى من شاء، وملأنا
كل قربة معنا وإداوة، وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها وأيم الله، لقد أقلع عنها،
وإنها ليخيل إليها أنها أشد ملئة منها حيث ابتدأ فيها فقال النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (اجمعوا لها طعاما)، فجمعوا لها ما بين
عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما، فجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها،
ووضعوا الثوب بين يديها، وقالوا لها: تعلمين ما رزأنا من مائك شيئا، ولكن الله هو
الذي أسقانا.
[4] المزادتان: تثنية مزادة
وهي قربة كبيرة يزاد فيه جلد من غيرها ويسمى أيضا السطيحة والمراد بها الراوية.
[5] ذكر العلماء حسن الأدب
الذي حوى عليه قول علي ورفيقه لها لما قالت: الصابئ: (هو الذي تعنين)، لأنه لو
قالا لها: لا، لفات المقصود، أو نعم، لما حسن بهما، إذ فيه طلب تقرير ذلك، فتخلصا
أحسن تخليص.