قال: لا.. بل أنا أنشر
فيك الهمة.. فلا يمكن لمنحط الهمة أن يطمع في مثل هذا الحب.
قلت: وما علاقة الهمة
بهذا؟
قال: صاحب الهمة
العالية يترفع أن يسلم قلبه لأي كان.. إنه يبحث عن المحل المناسب له.. لقد حدث بعض
العارفين، وكان اسمه بشر بن الحارث قال: مررت برجل وقد ضرب ألف سوط في شرقية
بغداد، ولم يتكلم ثم حمل إلى الحبس، فتبعته فقلت له: لم ضربت؟ فقال: لأني عاشق،
فقلت له: ولم سكت؟ قال: لأنّ معشوقي كان بحذائي ينظر إليَّ، فقلت: فلو نظرت إلى
المعشوق الأكبر قال: فزعق زعقة خرّ ميتاً..
قلت: لكني تعودت أن لا
أحب إلا من أرى.
قال: والله لا يغيب عن
المحبين أبدا.. إن لم يروه بالأبصار المدنسة بدنس التبشبيه، رأوه بالبصائر المقدسة
بأنوار التنزيه..
قلت: لقد ذكرت لك أني أشعر
بجمال كلماتك.. ولكن عقلي لا يزال كليلا دون فهمه.. فهلا انتقلت من الترقيق إلى
التحقيق.
قال: لك ذلك.. فهذا هو الحب
الوحيد الذي ينسجم فيه العقل مع القلب مع النفس.. ومع جميع اللطائف التي يتكون منها
بنيان الإنسان.
قلت: من السهل عليك أن تقول
هذا.
قال: ومن السهل علي أن أثبته
لك.
قلت: إنك أن أثبته لي لم تخلصني
أنا فقط.. بل ستخلص العالم أجمع.. هذا العالم الأسير لقلبه.
قال: لاشك أنك مررت في برية
الحب المدنس بالمرضى والمجانين والحزانى والغافلين والمتوهمين والمنحرفين
والقتلة..