لقد كان أول ما تعلمته من هذا
الأستاذ ردوده على السوفسطائية.. وقرأت عليه فيها مجموعة محاوراته..
كمحاورة بروتاجوراس، ومحاورة جورجياس، ومحاورة هيبياس، ومحاورة السوفسطائي..
وغيرها.. وقد انتفعت منها في انتشال عقلي من الهاوية التي أوقعه فيها السوفسطائية.
لكن ذلك.. مع ذلك.. لم يكفني..
فرحت أطالبه بالمنهج البديل لمنهج السفسطائية.. فقال لي ـ وقد كنا بجنب مرآة ـ : أترى
صورتنا التي تنعكس على المرآة؟
قلت: أجل.. وكيف لا أراها؟
قال: أترى لها حدودا وجرما وكثافة؟
قلت: أما الحدود.. فأراها..
وأما الجرم والكثافة.. فلا يمكن أن أراها.
قال: لم؟
قلت: لأنها صورة لا حقيقة.. هي
صورة تمثل الواقع ببعض أبعاده لا بكل أبعاده.
قال: كمثل هذه الصورة هناك عالم
يدعى (عالَم المُثُل).. كل حقائقه ذات حدود.. ولكنها دون كثافة.
في هذا العالم تتجلى صور
الحقائق الأرضية جميعا، فالإنسان ـ مثلا ـ يعيش أفراده على الأرض، أما هو فإنه
واحد يعيش في عالم المُثُل، وهو (أي حقيقة الإنسان) شبح هناك يمثل كل الناس في كل
العصور.
قلت: وعيت هذا رغم صعوبته.. فما
بعده؟.. وما علاقته بمنهج التفكير؟
قال: كان الإنسان قبل ينزل إلى
الأرض يسرح في ذلك العالم.. عالم المثل..
قلت: فأنت تذهب إلى أن للإنسان
وجودا قبل هذا الوجود؟
قال: أجل.. لقد كان الإنسان..
أو روح الإنسان موجودة في ذلك الحين.. وكانت قد أحاطت علما بكل الصور (أو المثل)
التي كانت موجودة فيه.. ولكنها نسيتها بعد أن تقولبت