بل زعموا أنها تغنيهم حتى عن
عقولهم.. وهكذا لفهم الجمود.
وفوق ذلك، فهو منهج يعتمد على
الحس، فيجعله سلطانا على العقل.. مع أن الإنسان لا يمكنه الإيمان بالحس دون وجود
عقل يحكم بصدق الإحساس.
قلنا: وما الذي جعلك تعتقد هذا؟
قال: لقد اكتشفت ذلك بأدلة
كثيرة [1].. منها ـ
مثلا ـ أن المصاب بالدوار لا يشك في أن حسه هو مبعث الإحساس بحركة العالم.. وعند
مقارنة حسه بحس الآخرين يكتشف أن الذي يحس به وحده لابد ان يكون خاطئا، فالواقع
يجب أن يحس به كل أحد.. وهكذا كل إحساس خاطئ ينكشف زيفه فور مقارنته بإحساس
الآخرين، أو بإحساس الرجل ذاته في سائر الأوقات.
وهكذا قد تصاب العين بالمرض
فترى الأشياء مقلوبة، ولكن اليد تكشف زيف هذا الإحساس، حين تلمس الأشياء لتجدها
سالمة.. وهكذا يحكم العقل بين الأحاسيس المختلفة بمقارنتها ببعضها.
وقد تبصر العين رجلا قزما فلا
يتردد العقل من الحكم بأنه طويل القامة، لأنه يقارن المسافة بينه وبين الرجل،
فيقول: إذا كانت الرؤية من بعد ميل تظهر الشخص بهذا الطول ـ نصف متر ـ فلابد انه
إذا اقترب يظهر ذو طول قد يتجاوز المترين.. وهكذا يقدر العقل دور المسافة في العين
والأذن وسائر الأعضاء، بل هكذا يقدر سائر القوانين الفيزيائية كوزن الشيء في
الماء، فإن الإحساس البسيط يزعم أنه خفيف مثل ما يتصور، إلا أن العقل سرعان ما
يحكم بخلاف ذلك.
وعند مقارنة سائر العوارض
الداخلية قد تشعر جميع أعضاء الجسم بالبرودة أو بالحرارة
[1] سنقتصر هنا على بعضها، وسنرى
المزيد منها في الفقرات التالية.