قلت: لقد رأيت بعض الفلاسفة
والعامة يتعلل في عدم إيمانه يوجود الله بمدارك الحس.. فهو يرى أنه لا ينبغي أن
يؤمن إلا بما يرى[1].
ابتسم، وقال: لقد أشار القرآن
الكريم إلى هؤلاء الأغبياء الذي جعلوا عقولهم سجينة حواسهم، فقال :﴿
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)﴾
(البقرة)
قلت: لكن هؤلاء يدعون أن هذا
أمر يقتضيه المنهح العلمي.
قال: لقد كذبوا في ذلك.. فإنهم
لو كانوا صادقين في عدم تصديقهم بما لا تراه أعينهم للزمهم أن لا يؤمنوا بحوادث
التاريخ، وللزمهم أن لا يصدقوا بوجود شيء في الأماكن التي تبعد عنهم بُعداً لا ترى
ما فيها أعينهم.. بل للزمهم أن يذهبوا مذهب بعض الفلاسفة الذين كانوا يقولون إنهم
إنما يؤمنون بما يرون ما داموا يرونه، ويقولون: من يدرينا أنه ما زال موجوداً حين
نغمض عنه أعيننا أو نلفت عنه أنظارنا؟
ضعف الحس:
رأيت في القاعة امرأة تخاطب
امرأة بفخر واعتزاز قائلة: لا شك أنك لا تعرفيني.. أنا زرقاء اليمامة.. أنا المرأة
التي ضربت بها العرب الأمثال في قوة بصرها، فقالت: (أبصر من زرقاء اليمامة).. أنا
التي قال في النابغة:
واحْكم كحكم فَتَاة الحيِّ إذا نَظَرتْ
إلى حَمَامٍ سِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَد
يَحُفُّهُ جَانِباَ نِيقٍ وَتُتْبِعُهُ
مِثْلَ الزجاجة لم تُكْحَلْ مِنَ الرَّمَدِ
قالَتْ أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الْحَمَامُ لَنَا
إلى حَمَامَتِنَا أَوْ نِصْفَهُ فَقَدِ
فَحَسبُوهُ فألفَوْهُ كَمَا ذكَرَتْ
تسعا وتسعين لَمْ ينقص ولم يَزِدِ
[1]
انظر الرد المفصل على هذه الشبهة في رسالة (الباحثون عن الله) من هذه السلسلة.