وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك
وإسبال الإزار فإنها من المخيلة - أي الكبر واحتقار الغير - وإن الله لا يحب
المخيلة[1]، وإن امرؤ شتمك أو عيرك بما
يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه)[2]
وفي رواية : ( وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك فلا تعيره بشيء
تعلمه فيه ودعه يكون وباله عليه وأجره لك، فلا تسبن شيئا) قال : ( فما سببت بعده
دابة ولا إنسانا)[3]
بعد هذا كله وغيره شرعت عقوبتين لحماية الأعراض من أن تصبح
لعبة بيد العابثين: أما أولاهما، فعقوبة حسية تتمثل في الجلد.. وأما الثانية،
فعقوبة معنوية تتمثل في رفع أهليته للشهادة.
وقد نص
على هاتين العقوبتين في قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ ﴾ (النور: 4)
قلنا:
فحدثنا عن سر العقوبتين اللتين عاقبت بهما الشريعة القاذفين.. لم عوقب القاذف
بالجلد؟.. ولم عوقب بمنعه من حق الشهادة؟.. ولم لم يكتف بتأديبه بالسجن؟
قال: لقد
لاحظت الشريعة العادلة الحكيمة أن من أهم البواعث التي تدعو القاذف للافتراء
والاختلاق: الحسد والمنافسة والانتقام.. ولاحظت أنها جميعاً تؤول إلى غرض واحد
يرمي إليه كل قاذف، وهو إيلام المقذوف وتحقيره.
ولهذا
عالجت الشريعة القاذف بمحاربة دوافع الجريمة لديه..
[1] وذلك ـ طبعا ـ خاص بمن
يدخله الخيلاء من إسبال الإزار، وهو مذهب جماهير العلماء.. وقد ذكرنا المسألة
بتفصيل في رسالة (النبي الإنسان)
[2] رواه أبو داود واللفظ له
والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان في صحيحه.