في اليوم السادس، صاح السجان بصوته المزعج قائلا: في هذا
المساء.. سيساق إلى الموت (حطيط الزيات) [1].. وقد رأت إدارة السجن أن تسمح
لجميع السجناء بتوديعه والجلوس إليه بشرط ألا يخترقوا قوانين السجن.. ومن يخترقها
فسيتحمل مسؤولية خرقه.
بمجرد أن فتحت أبواب الزنازن أسرع السجناء إلى ساحة السجن
حيث وجدوا حطيطا الزيات.. والبسمة على شفتيه.. والسرور باد على وجهه.. وكأن الموت
لا ينتظره ذلك المساء.
كان يخاطب الجمع الذي اجتمع لتوديعه كما يخاطب الرئيس
مرؤوسيه، فهو يأمرهم بالنظام وبالصمت بقوة وحزم وأدب لا تليق إلا بأعدل المسؤولين
وأقواهم.
بمجرد أن اعتدلت الجموع في جلساتها، وأخذت تنصت إليه، قال:
اسمحوا لي في البداية أن أحدثكم عن هذا الشرف العظيم الذي هيأه الله لي أنا عبده
الفقير الخامل الضعيف.. لقد شرف الله دمي أن يلتحق بتلك الدماء الكثيرة التي ذهبت
ضحية شعورها بالمسؤولية تجاه تحقيق العدالة التي أمر الله الكل بالسعي إليها.
إن العدالة بمفهومها الشامل لا يمكن أن يحققها طرف من
الأطراف.. هي مسؤولية الجميع.. ولابد أن يتعاون الجميع على تحقيقها.. لقد وضح رسول
الله a ذلك وشرحه، فقال:( كلكم راعٍ،
وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول
عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال
سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته) [2]
هذه مجرد أمثلة ذكرها رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم.. وإلا فإن الأمثلة في هذا لا تحصر..
وقد تولت
[1]أشير به إلى (حطيط الزيات)،
ولم أقف له على ترجمة .. وكل ما وقفت عليه حوله هو ما ذكره العلماء من حادثة اسشهاده
بعد موقفه من الحجاج، والتي سنذكرها في متن الرواية.