قارنوا هذا بالملل والنحل التي طلبت من أتباعها التفرغ
للعبادة والانقطاع عن الحياة والإنتاج، كالرهبانية المسيحية.. وقارنوه بمقابلها من
الأديان التي ألغت جانب العبادة والتنسك والتأله من فلسفتها وواجباتها، كالبوذية
التي اقتصرت فروضها على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده..
هذا هو شأن المسلم مع الدين والحياة حتى في يوم الجمعة.. بيع
وعمل للدنيا قبل الصلاة، ثم سعي إلى ذكر الله وإلى الصلاة، وترك للبيع والشراء وما
أشبهه من مشاغل الحياة، ثم انتشار في الأرض وابتغاء الرزق من جديد بعد انقضاء
الصلاة، مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيرا في كل حال، فهو أساس الفلاح والنجاح.
ومثل الشعائر التعبدية السلوك الأخلاقي.. فالأخلاق الإسلامية
وسط بين غلاة المثاليين الذين تخيلوا الإنسان ملاكا أو شبه ملاك، فوضعوا له من
القيم والآداب ما لا يمكن له، وبين غلاة الواقعيين الذين حسبوه حيوانا أو
كالحيوان، فأرادوا له من السلوك ما لا يليق به فأولئك أحسنوا الظن بالفطرة
الإنسانية فاعتبروها خيرا محضا، وهؤلاء أساءوا بها الظن، فعدوها شرا خالصا، وكانت
نظرة الإسلام وسطا بين أولئك وهؤلاء.
فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق مركب فيه العقل، وفيه الشهوة،
فيه غريزة الحيوان، وروحانية الملاك، قد هدى للنجدين، وتهيأ بفطرته لسلوك السبيلين،
إما شاكرا وإما كفورا.. فيه استعداد للفجور استعداده للتقوى.. ومهمته جهاد نفسه
ورياضتها حتى تتزكى :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ
دَسَّاهَا (10)﴾ (الشمس)
^^^
ما وصل (محمد باقر الصدر) من حديثه إلى هذا الموضع حتى جاء السجان،
ومعه مجموعة من الجنود، ثم أخذوا بيده، وساروا به إلى مقصلة الإعدام.. وقد كان
كإخوانه ممتلئا