ومن عز عليه أن يقدم ذلك، فعليه أن يشترى الأمان لماشيته، أى أن يصالح
عنها بالمال، وفى ذلك يقول الجبرتى بالحرف الواحد: (وفى يوم الأحد طلبوا الخيول
والجمال، والسلاح، فكان شيئا كثيرا.. وكذلك الأبقار والأثوار فحصل فيها أيضا
مصالحات.. وأشاعوا التفتيش على ذلك وكسروا عدة دكاكين بجهة سوق السلاح وغيرها،
وأخذوا ما وجدوه فيها.. وفى كل يوم ينقلون على الجمال والحمير من الأمتعة والفرش
والصناديق ما لا يحصى)
سكت قليلا، ثم قال: لم يقنع نابليون ورجاله بالأموال الطائلة التى نهبوها
من بيوت الأمراء، وغصبوها من ضعاف النساء، ولا بما فرضوه للمصالحة على الخيول
والثيران، بل لجأوا إلى امتصاص دماء الأهالى بأسلوب يدعو إلى السخرية والمهانة..
كان نابليون قد ألف مجلسا من الأهالى والشيوخ ليحكم به البلاد، يسمى
الديوان.. فدعا أعضاء الديوان يوما، وطلب منهم أن يجمعوا له خمسمائة ألف ريال
(سلفة) من التجار..
وهذه السلفة على هذا النحو تبين لك أن القوم وعلى رأسهم نابليون، لم يكن
لهم أقل إحساس بالكرامة، فراحوا يستجدون الناس، أو يتسولون باسم (السلفة).. وليت
هؤلاء المتسولين كانوا مهذبين فى طلبهم، بل كانوا فى منتهى الصفاقة وقلة الحياء،
فإن التجار حين ضجوا منها، فرضوها عليهم بقوة الحديد والنار.. فتوسلوا وتضرعوا لكى
يخففوا عنهم (سلفتهم) المشئومة، فرفض المتسولون وأبوا إلا أن يأخذوا (السلفة)
كاملة غير منقوصة.. ولكن هل وقف أمر السلفة عند هذا الحد؟ لا، فإنهم بعد ما قبضوها
لم يلبثوا أن طلبوا سلفة جديدة..
طلبوها بعد الأولى بيومين اثنين فقط، مما لم يسمع بمثله فى التاريخ، فقد
كانت الأولى يوم سبت، قال الجبرتى: (وفى يوم الثلاثاء طلبوا أهل الحرف من التجار
بالأسواق، وقرروا عليهم دراهم على سبيل السلفة.. مبلغا يعجزون عنه.. وحددوا لهم
وقتا مقداره ستون يوما يدفعونه فيه، فضجوا واستغاثوا، وذهبوا إلى الجامع الأزهر،
والمشهد الحسينى، وتشفعوا