هربرت سبنسر وفلسفته العضوية الداروينية كان لهما
أبعد الأثر في تفكيره، وكان هو نفسه يَعُد سبنسر أقرب المفكرين إلى قلبه.. كما
تأثر بفلسفة نيتشه وهردر تأثراً عميقاً، شأنه في هذا شأن كثير من المفكرين
والمثقفين اليهود.. ويتجلى عمق تأثر آحاد هعام بنيتشه في زعمه أن النيتشوية
واليهودية صنوان.
وقد كان في جميع أحاديثه لا هم له إلا نيتشة[1].. وفكر نيتشة.. وقد كان لا يفهم من فكر
نيتشة إلا ما يريد[2]..
في ذلك اليوم.. رأيته في السوق.. وبين عامة الناس يخطب فيهم بقوة وشدة..
وقد كان موضوع حديثه هو ما أعرفه عنه.. فلم يكن يتحدث إلا عن نيتشة، وما يفهمه من
فكر نيتشة..
وكان مما سمعته منه قوله: اسمعوني.. أنا آحاد هعام.. وهي تعني بلغتنا العبرية (أحد العامة).. وأنا فخور بهذا الاسم، وبهذا
المعنى الذي يحمله.. ففي اعتقادي أن العامة إذا ما تسلحوا بسلاح القوة يصيرون
السوبرمان الذي يمكن أن يحرك العالم أجمع..
ذلك السوبرمان الذي لا يشكو من ضعف البشر.. ولا يحتكم إلى الأخلاق.. لأن
الاحتكام إلى الأخلاق من شيم الضعفاء، وليس من شيم الأقوياء.. فالسلوك ينبغي أن
يكون قائمًا على إرادة القوة.. وهي ليست سوى ميل الإنسان للسيطرة على غيره والتحكم
في أهوائه.
والسوبرمان سوف يسعى إلى نوع جديد من الكمال والتفوق بماله من قدرة على
تحقيق
[1] ذكرنا نيتشة والأسس التي
يقوم عليها فكره في رسالة (سلام للعالمين) من هذه السلسلة.
[2] ذكر المسيري أن هناك فرقا
بين الفكر
النيتشوي وفلسفة نيتشه.. ففلسفة نيتشه توجد في أعماله الفلسفية، وهي فلسفة متناقضة
تحوي الكثير من الأفكار النبيلة والخسيسة والعاقلة والمجنونة.. أما الفكر النيتشوي
فهو منظومة شبه متكاملة، استنبطها الإنسان الغربي من أعمال نيتشه وحققت من الذيوع
والشيوع ما يفوق أعمال نيتشه الفلسفية.. والمهم في دراسة تاريخ الأفكار هو الفكر
النيتشوي، وليس أعماله الفلسفية. فهناك الكثير من النيتشويين ممن لم يقرأوا صفحة
واحدة من أعمال نيتشه، بل الذين اتخذوا مواقفهم النيتشوية قبل أن يخط نيتشه حرفاً
واحداً.. فالخطاب الإمبريالي، منذ لحظة ظهوره في القرن السابع عشر، كان خطاباً نيتشوياً. (انظر الموسوعة اليهودية،
للمسيري)