فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري، فاستأذن الحسين، فأذن له، فأبلى بلاء حسنا
حتى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد، وكان لا يأتي إلى الحسين سهمٌ إلا اتقاه
بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته، فلم يكن يصل إلى الحسين سوء، حتى أثخن بالجراح..
فالتفت إلى الحسين وقال: يابن رسول الله أوفيت؟ قال: (نعم، أنت أمامي في الجنة،
فاقرأ رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم عني السلام وأعلمه أني في الأثر)، فقاتل حتى
قتل.
ثم برز جون مولى أبي ذر، وكان عبداً أسوداً، فقال له الحسين:(أنت في إذنٍ
مني، فإنما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتل بطريقنا)، فقال: يا ابن رسول الله أنا
في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم، والله إن ريحي لمنتن، وإن حسبي للئيم
ولوني لأسود، فتنفس علي بالجنة، فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي، لا والله لا
أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم). ثم قاتل حتى قتل.
ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي، فقال للحسين: (يا أبا عبدالله، جعلت فداك
قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلف فأراك وحيداً فريداً بين أهلك قتيلاً)،
فقال له الحسين: (تقدم، فإنا لا حقون بك عن ساعة)، فتقدم فقاتل حتى قتل.
وجاء حنظلة بن سعد الشبامي، فوقف بين يدي الحسين يقيه السهام والسيوف
والرماح بوجهه ونحره، وأخذ ينادي: (يا قوم يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ
وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ
مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا
لَهُ مِنْ هَادٍ (33)﴾ (غافر).. يا قوم لا تقتلوا حسيناً، فيسحتكم الله
بعذابٍ، وقد خاب من افترى)، ثم التفت إلى الحسين وقال: (أفلا نروح إلى ربنا ونلحق
بأصحابنا؟)، فقال له: (بل رح إلى ما هو خيرٌ لك من الدنيا وما فيها وإلى ملكٍ لا
يبلى)، فتقدم، فقاتل قتال الأبطال، وصبر على احتمال الأهوال، حتى قتل.