وحضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن
يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه، ثم صلى بهم صلاة الخوف.
فوصل إلى الحسين سهمٌ، فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي، ووقف يقيه بنفسه،
ما زال ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض، وهو يقول: (اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود،
اللهم أبلغ نبيك عني السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في
نصر ذرية نبيك)، ثم قضى نحبه، فوجد به ثلاثة عشر سهمأً سوى ما به من ضرب السيوف
وطعن الرماح.
ثم تقدم سويد بن عمر بن أبي المطاع، وكان شريفاً كثير الصلاة، فقاتل قتال
الأسد الباسل، وبالغ في الصبر على الخطب النازل، حتى سقط بين القتلى، وقد أثخن
بالجراح، ولم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون: قتل الحسين، فتحامل وأخرج
من خفه سكيناً، وجعل يقاتلهم بها حتى قتل.
وجعل أصحاب الحسين يقاتلون بين يديه.. فلما لم يبق معه إلا أهل بيته، خرج
علي بن الحسين، وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً، فاستأذن أباه في القتال، فأذن
له.. ثم نظر إليه نظرة آيسٍ منه، وأرخى عينيه وبكى، ثم قال: (اللهم اشهد، فقد برز
إليهم غلامٌ أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك a،
وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه)، فصاح وقال: (يا ابن سعد قطع الله رحمك كما
قطعت رحمي)، فتقدم نحو القوم، فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً.. ثم رجع إلى
أبيه وقال: يا أبه، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من
سبيل؟
فبكى الحسين عليه السلام وقال: (واغوثاه يا بني، من أين آتي بالماء..
قاتل قليلاً، فما أسرع ما تلقى جدك محمداً عليه السلام، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً
لا تظلمأ بعدها)
فرجع إلى موقف النزال، وقاتل أعظم القتال، فرماه منقذ بن مرة العبدي
بسهمٍ فصرعه، فنادى: (يا أبتاه عليك مني السلام، هذا جدي يقرؤك السلام ويقول لك:
عجل القدوم علينا)،