وعبد الله بن الجارود، ولقي ما لقي من قرى أهل
العراق، وكان أكثر من قاتله وخلعه وخرج عليه الفقهاء والمقاتلة والموالى من أهل
البصرة، فلما علم أنهم الجمهور الأكبر، والسواد الأعظم، أحب أن يسقط ديوانهم،
ويفرق جماعتهم حتى لا يتألفوا، ولا يتعاقدوا، فأقبل على الموالي، وقال:(أنتم علوج
وعجم، وقراكم أولى بكم)، ففرقهم وفض جمعهم كيف أحب، وسيرهم كيف شاء.
ولم يكتف بذلك، بل راح ينقش على يد كل رجل منهم اسم
البلدة التي وجهه إليها، وقد انتشر شؤم هذا التصرف في الأمة أجيالا مديدة، وقد قال
الشاعر يهجو أهل الكوفة، وقد كان قاضيهم رجل من الموالي يقال له نوح بن دراج:
إن القيامة فيما أحسب اقتربت.. إذ كان
قاضيكم نوح بن دراج
لو كان حيا له الحجاج مابقيت.. صحيحة كفه
من نقش حجاج
وقال آخر:
جارية لم تدر ما سوق الإبل.. أخرجها
الحجاج من كن وظل
لو كان شاهدا حذيف وحمل.. ما نقشت كفاك من
غير جدل
ويروى أن أعرابيا من بني العنبر دخل على سوار القاضي،
فقال: إن أبي مات وتركني وأخا لي، وخط خطين، ثم قال: وهجينا، ثم خط خطا ناحية،
فكيف يقسم المال؟ فقال له سوار: ها هنا وارث غيركم؟ قال: لا؟ قال: فالمال أثلاثا؛
قال: ما أحسبك فهمت عني، إنه تركني وأخي وهجينا، فكيف يأخذ الهجين كما آخذ أنا
وكما يأخذ أخي؟ قال: أجل؛ فغضب الإعرابي، ثم أقبل على سوار، فقال: والله لقد علمت
أنك قليل الخالات بالدهناء؛ قال سوار: لا يضرني ذلك عند الله شيئا.
ومع ذلك.. فإن شؤم الحجاج ومن شايعه لم يعد فئة
محدودة، لم يكن لها تأثير كبير في الحياة الإسلامية.. فتأثير العلماء والصالحين في
المجتمع الإسلامي كان أعظم من تأثير