قال السجين: ولكنا لو تناولنا هذا الأمر من منظور واقعي فسنجد أن الحياة
المسيحية لم تتغير، فما زالت - كما عرفها التاريخ - تشوبها المكاره، ويعتريها
الشقاء.. والمؤمن المسيحي ما زال مثقلاً بالمصائب يشقي ويتعب، والشرور لم تزل تحيط
بمجتمعات ترفع الصليب فوق رؤوسها.. أليس كذلك حضرة الأب الفاضل؟
سكت القس، فقال السجين: إذاً لم صلب المسيح ومات، ما دام ذلك لم يغير
معالم الواقع المر؟.. وأين الخلاص الذي وعدنا به؟
لم يجب القس بأي جواب، فقال السجين: لقد رأيت أن المؤمنين بالمسيح أمام
هذه التناقضات انقسموا إلى قسمين.. أما أولهما، فحاول تطبيق تعاليم المسيح
المثالية اعتقاداً منهم أنهم نالوا الخلاص بإيمانهم به، منتظرين تغيير حالهم
تحقيقاً لوعد قدم لهم من رجال الكنيسة، ليفاجئوا بأن الشقاء ما زال ملازماً لهم والمصائب
تزورهم بين الحين والآخر، الأمر الذي أصابهم بخيبة مريرة دفعتهم للابتعاد عن
الكنيسة ورجالها، رافضين سلطانها وتعاليمها، فقد أثبتت التجربة الواقعية لهم فساد
أقوال رجالها وتعاليمهم.
وقسم آخر اتبع هواه مرتكباً المخازي غير آبه بالفضائل الأخلاقية اعتماداً
منه على الخلاص الذي وعد به من قبل الكنيسة.. فبإيمانه يخلص لا بالأعمال، فالفاسق
والصالح سواء بإيمانهما بالمسيح الفادي.. وهكذا ابتعد هذا القسم عن الكنيسة، فما
الداعي للارتباط بها وتنفيذ تعاليمها ما دام المسيحي قد نال الخلاص بإيمانه القلبي
لا بالأعمال..
وهكذا أصبح المؤمن المسيحي في وضع لا يحسد عليه، فما كاد يفرح بالخلاص
المزعوم حتى اعتراه الأسى، فقد وقع بما خلص منه، فها هي ذي خطاياه تضيق خناقها
عليه بسلاسل الشقاء والألم والحزن.
وهذا ما أرادت الكنيسة أن يحدث، فهي تريده مهزوماً ضعيفاً لاجئا إليها
يبحث عن النجاة، والإجابة عن هذه القضايا التي عجز العقل عن فهمها، فكيف يحمل وزر
خطيئة أبويه