لقد بدأ الإصحاح التاسع من إنجيل متى بذكر هذه الواقعة هكذا: (فدخل
السفينة، واجتاز وجاء إلى مدينته. وإذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحا على فراش. فلما
رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج: ثق يا بني. مغفورة لك خطاياك.. وإذا قوم من الكتبة
قد قالوا في أنفسهم هذا يجدف. فعلم يسوع أفكارهم فقال: لماذا تفكرون بالشر في
قلوبكم. أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال قم وامش؟ ولكن لتعلموا أن
لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا. حينئذ قال للمفلوج. قم احمل فراشك
واذهب إلى بيتك. فقام ومضى إلى بيته. فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي
أعطى الناس سلطانا مثل هذا) (متى: 9 /1)
انظر.. إن المسيح لم يقل للمفلوج: ثق يا بني لقد غفرتُ لك خطاياك! بل
أنبأه قائلا: مغفورة لك خطاياك.. والفرق واضح بين الجملتين، فالجملة الثانية لا
تفيد أكثر من إعلام المفلوج بأن الله تعالى قد غفر ذنوبه، وليس في هذا الإعلام أي
دليل على ألوهية المسيح، لأن الأنبياء والرسل المؤيدين بالوحي يطلعون، بإطلاع الله
تعالى لهم على كثير من المغيبات والشؤون الأخروية، ومنها العاقبة الأخروية لبعض
الناس..
قال القس: ولكن المسيح قال بعد ذلك:(ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا
على الأرض أن يغفر الخطايا)، فنسب غفران الخطايا لنفسه.
قال السجين: إن هذ النص – كنصوص كثيرة في الكتاب المقدس – لا يصح حمله إلا على معناه المجازي.. أي على معنى أن
ابن الإنسان (المسيح) خوله الله أن يعلن غفران الخطايا.. وذلك لأن الجملة الأخيرة
في النص السابق تقول: (فلما رأى الجموع ذلك تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس
سلطانا مثل هذا)، فالغافر بالأصل والأساس هو الله تعالى، ثم هو الذي منح هذا الحق
للمسيح وأقدره عليه، لأن المسيح كان على أعلى مقاما من الصلة بالله والكشف الروحي
ولا يتحرك إلا ضمن حكمه وإرادته فلا يبشر بالغفران إلا من استحق ذلك.