قلت: أفلا تحدثني بالذي حركك إلى هذه الحال.. فإني أجد قلبي قاسيا دونها.
قال: لقد حدثني شيخي (أبا عامر البناني) الذي فتح الله قلبي على يديه أن
الناس في الآخرة ينقسمون إلى أربعة أصناف[1]: هالكين، ومعذبين، وناجين، وفائزين.
وضرب لي مثلا على ذلك من الدنيا بأن أي حاكم إذا استولى على إقليم من
الأقاليم، فإنه يقتل بعضهم، وهم الهالكون، ويعذب بعضهم مدة ولا يقتلهم فهم
المعذبون، ويخلى بعضهم فهم الناجون، ويخلع على بعضهم فهم الفائزون.
وهكذا، فإن الناس في الآخرة هكذا يتفاوتون، فمن هالك، ومن معذب مدة، ومن
ناج يحل في دار السلامة ومن فائز.
والفائزون ينقسمون إلى من يحلون في جنات عدن، أو جنات المأوى، أو جنات
الفردوس.
والمعذبون ينقسمون إلى من يعذب قليلاً، وإلى من يعذب ألف سنة.. وإلى من
يعذب أكثر من ذلك.
وكذلك الهالكون الآيسون من رحمة الله تتفاوت دركاتهم.
قال: لقد ذكر لي شيخي عن أشياخه أن هذه الرتبة لا تكون إلا للجاحدين،
والمعرضين المتجردين للدنيا، المكذبين بالله ورسله وكتبه.. فإن السعادة الأخروية
في القرب من الله والنظر إلى وجهه، وذلك لا ينال أصلاً إلا بالمعرفة التي يعبر
عنها بالإيمان والتصديق، والجاحدون هم المنكرون، والمكذبون هم الآيسون من رحمة
الله تعالى أبد الآباد وهم الذين يكذبون برب العالمين وبأنبيائه المرسلين، إنهم عن
ربهم يومئذ لمحجوبون لا محالة، وكل
[1] استفدنا المعاني التي
نذكرها هنا من (الإحياء) من (كتاب التوبة)، وتصرفنا فيها بما يقتضيه المقام.
[2] تحدثنا عن الرحمة الخاصة
بهذا الصنف في رسالة (أسرار الأقدار)