محجوب من محبوبه فمحول بينه وبين ما يشتهيه لا محالة فهو لا محالة يكون
محترقاً نار جهنم بنار الفراق، ولذلك قال العارفون: (ليس خوفنا من نار جهنم، ولا
رجاؤنا للحور العين، وإنما مطالبنا اللقاء، ومهربنا من الحجاب فقط)
قلت: عرفت هذه الرتبة.. وامتلأ قلبي مخافة منها.. فحدثني عن رتبة
المعذبين.. ومن هم أهلها؟
قال: لقد ذكر لي شيخي عن أشياخه أن هذه الرتبة هي رتبة من تحلى بأصل
الإيمان، ولكن قصر في الوفاء بمقتضاه، فإن رأس الإيمان هو التوحيد، وهو أن لا يعبد
إلا الله، ومن اتبع هواه فقد اتخذ إلهه هواه، فهو موحد بلسانه لا بالحقيقة..
ولما كان الصراط المستقيم الذي لا يكون التوحيد إلا بالاستقامة عليه أدق
من الشعر وأحد من السيف مثل الصراط الموصوف في الآخرة، فلا ينفك بشر عن ميل عن
الاستقامة ولو في أمر يسير، إذ لا يخلو عن اتباع الهوى ولو في فعل قليل، وذلك قادح
في كمال التوحيد بقدر ميله عن الصراط المستقيم، فذلك يقتضي لا محالة نقصاناً في
درجات القرب، ومع كل نقصان ناران: نار الفراق لذلك الكمال الفائت بالنقصان، ونار
جهنم كما وصفها القرآن، فيكون كل مائل عن الصراط المستقيم معذباً مرتين من وجهين.
ولكن شدة ذلك العذاب وخفته وتفاوته بحسب طول المدة إنما يكون بسبب أمرين،
أحدهما: قوة الإيمان وضعفه، والثاني: كثرة اتباع الهوى وقلته، وإذ لا يخلو بشر في
غالب الأمر عن واحد من الأمرين، قال الله تعالى:﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا
وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ﴾