ولذلك قال أولياء الله العارفون به: (إنما خوفنا لأنا تيقنا أنا على
النار واردون وشككنا في النجاة)
ولذلك، فإن مدة الورود تختلف بحسب استقامة العبد.. فقد يجوز بعضهم على
النار كبرق خاطف ولا يكون له فيها لبث، بين اللحظة وبين سبعة آلاف سنة درجات
متفاوتة من اليوم والأسبوع والشهر وسائر المدد وأن الاختلاف بالشدة لا نهاية
لأعلاه، وأدناه التعذيب بالمناقشة في الحساب.. كما أن الملك – في الدنيا - قد يعذب بعض المقصرين في الأعمال بالمناقشة في الحساب ثم
يعفو، وقد يضرب بالسياط، وقد يعذب بنوع آخر من العذاب.
ويتطرق إلى العذاب اختلاف ثالث في غير المدة والشدة، وهو اختلاف الأنواع،
إذ ليس من يعذب بمصادرة المال فقط كمن يعذب بأخذ المال، وقتل الولد، واستباحة
الحريم، وتعذيب الأقارب، والضرب.. فهذه الاختلافات ثابتة في عذاب الآخرة دل عليها
قواطع الشرع، وهي بحسب اختلاف قوة الإيمان وضعفه وكثرة الطاعات وقلتها وكثرة
السيئات وقلتها.
أما شدة العذاب فبشدة قبح السيئات وكثرتها، وأما كثرته فبكثرتها، وأما
تنوعه، فبحسب اختلاف أنواع السيئات.
وهذا هو المعني الذي يشير إليه قوله تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً
فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
﴾ (فصلت:46)، وقوله تعالى:﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
(غافر:17)، وقوله تعالى:﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى
﴾ (النجم:39)، وقوله تعالى:﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ
أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾
(الزلزلة)، إلى غير ذلك مما ورد في النصوص المقدسة من كون العقاب والثواب جزاء على
الأعمال.. وكل ذلك بعدل لا ظلم