في اليوم العاشر، ذهبت إلى مذبح في ضواحي المدينة
سمعت أن جمعية للرفق بالحيوان من بلادنا زارته، وكان من أعضائها صديق قديم.. كان
في بلادنا أشهر من نار على علم.. لعلك سمعت به.. إنه (جوان بلمنت).. لقد كان (ماتادورا).. أو كما تعبرون أنتم (مصارع ثيران)[1].. بل كان من أشهر من مصارعي الثيران.. وكان كثيرا ما
يحدثني عن بطولاته في قهر الثيران المسكينة.
لقد كان يحدثني بحماسة عن دخوله للميدان المخصص للمصارعة.. وكيف كان يقوم
بمواجهة الثور بمفرده.. وكيف كان يحاور الثور المهاجم بتحريك رداء أو قطعة من
القماش.. وكيف كان يقتل الثور في نهاية المصارعة بكل برودة.. لتصيح الجماهير بعدها
تحييه، وتحيي بطولته، وتحيي معها قسوة قلبه اللامتناهية.
في ذلك اليوم تعجبت إذ رأيته هناك.. فلم يكن المذبح مذبح ثيران، بل كان
مذبح دجاج.. فتساءلت بيني وبين نفسي: ما بال الرجل جاء لهذا المحل.. أتراه تحول – بسبب تقدم سنه - من مصارعة الثيران إلى مصارعة
الدجاج.. أو تراه جاء يطلب بعض الديكة ليجري بينها الصراع.. فقد أخبرني أنه – كما يهوى مصارعة الثيران - يهوى مصارعة الديكة[2].
لم تكن المفاجأة برؤيتي له في ذلك المحل أكبر من مفاجأتي من حديثه.. لقد
رأيته
[1] مصارعة الثيران رياضة تتم
بين ثور ورجل.. وهي محرَّمة في الإسلام لما فيها من تعذيب وإيذاء للثيران، حيث نهى
الإسلام عن ممارسة أي شكل من أشكال تعذيب الحيوان أو إيذائه.
[2] مُصارعة الدِّيَكة: لعبة
يتصارع فيها اثنان من ديكة المصارعة، وهي ديكة صغيرة، في نزال حتى الموت.. وهي
تحتل مكانها باعتبارها واحدة من اللعبات الشعبية المحبوبة في أسبانيا وأمريكا
اللاتينية، وأجزاء من شرق آسيا.. ولاشك في حرمة مثل هذا النوع من المصارعة لورود
النهي عن التحرش بين الحيوانات، ولما في ذلك من الوحشية، وعدم الرفق بالحيوان.
فإذا أضيف إلى ذلك الرهان بين المشاهدين كان ذلك أشد.