ثم كيف يفهم من كلام الله هذا، وهو الذي اعتبر تسخط البنات من الجاهلية، فقال تعالى:﴿ وَإِذَا بُشِّرَ
أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى
مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ
يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ (النحل:58 ـ 59)
فالآيات الكريمة تصف رجلا قد ترسخت فيه قيم الجاهلية وتصوراتها حتى ملأت
صدره ظلمة، انبعث منها سواد كالح غمر وجهه.
وبما أن عقله قد حجب في تلك اللحظة عن النظر للحقيقة التي يرشد إليها القرآن
الكريم، ويمتلئ بجمالها قلب المؤمن، بل تركه لتصورات المجتمع تنقش فيه ما تشاء،
فإن تلك التصورات جعلته إنسانا سلبيا منكمشا على نفسه كظيما يكره أن يراه الناس، وكأنه قد أجرم جرما عظيما يخاف عقابه.
وهو في تلك اللحظة التي غرق فيها في بحر السواد والظلام يعيش بصحبة الشيطان
الذي يملي عليه ما سيفعله ﴿ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي
التُّرَابِ ﴾ (النحل:59)
وفي كلا الحالين يرضى الشيطان الذي زين له هذه التصورات ثم عذبه بها، فهو إن
قتل تحمل جرم قتلها، وإن أمسكها أبقاها مهانة لا يورثها ولا يعتني بها، ويفضل
أولاده الذكور عليها، ويذيقها فوق ذلك من العذاب النفسي ما يفوق قتله لها.
بهذه الصورة ترسم الآيات الكريمة كيفية استقبال الجاهلي للأنثى، وهي لا تصفه
واقعا جغرافيا أو تاريخيا، وإنما تصف حالة نفسية قد تعرض في أي زمان ولأي شخص لا
زال فيه حظ من الجاهلية.
قالت إحدى الحاضرات: إنك تصفين واقعنا لا واقع الجاهلية.
قالت العجوز: هذا واقع جاهلي.. والجاهلية قد تدخل المجتمع المسلم لتشوه صورة
الإسلام فيه..
قالت إحدى الحاضرات: فكيف نفرق بين سلوك الجاهلية والسلوك الذي حض عليه