قال الحكيم: وهذا ما وضحه الإمام الرضا.. فقد أراد أنه لما جاء
النبي الأَكرم a داعياً
إلى التوحيد في مجالى الخلق والاَمر، وإلى حصر التقديس والعبادة في الله، وأنّه لا
معبود سواه ولا شفيع إلاّ بإذنه، فأخذ بتحطيم الوثنية ورفض عبادة الاَصنام، صارت
دعوته ثقيلة على قريش وأذنابهم، حتى ثارت ثائرتهم على النبي الاَكرم، فقابلوا
براهين النبي بالبذاءة والشغب والسب والنسب المفتعلة، فوصفوه بأنّه كاهن وساحر،
ومفتر وكذّاب.. ثم صاروا إلى حربه كما علمتم.
فهذه الحوادث الدامية عند قريش، المرّة في أذواقهم بما أنّها
جرّت إلى ذهاب كيانهم، وحدوث التفرقة في صفوفهم، والفتك بصناديدهم على يد النبي
الاَكرم a، صوّرته
في مخيلتهم صورة إنسان مجرم مذنب قام في وجه سادات قومه، فسب آلهتهم وعاب طريقتهم
بالكهانة والسحر والكذب والافتراء، ولم يكتف بذلك حتى شن عليهم الغارة والعدوان
فصارت أرض يثرب وما حولها، مجازر لقريش، ومذابح لاَسيادهم، فأىّ جرم أعظم من هذا،
وأي ذنب أكبر منه عند هوَلاء الجهلة الغفلة، الذين لا يعرفون الخيّـر من الشرير،
والصديق من العدو، والمنجي من المهلك؟
فإذن ما هو الاَمر الذي يمكن أن يبرئه من هذه الذنوب ويرسم له
صورة ملكوتية فيها ملامح الصدق والصفاء، وعلائم العطف والحنان حتى تقف قريش على
خطئها وجهلها.
إنّ الاَمر الذي يمكن أن ينزّه ساحته من هذه الاَوهام
والاَباطيل، ليس إلاّ ذلك الفتح الذي فتح الله به عليه.. فعرفوا الحقيقة التي
كانوا يحاربونها.
ثم إن ذلك العطف الذي أبداه النبي a في تلك الواقعة مع كونه من القدرة
بمكان، وقريش في حالة الانحلال والضعف، صوّر من النبي a عند قومه وأتباعه بصورة إنسان مصلح
يحب قومَه ويطلب صلاحهم ولا تروقه الحرب والدمار والجدال فوقفوا على حقيقة