عُجَابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلاَ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا
وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا
فِي الْمَلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ﴾ (ص: 5 ـ 7)، فلمّـا فتح اللهُ عزّ وجلّ على
نبيه محمد a مكة[1]، قال له: يا محمد: (إنّا فتحنا لك
(مكة) فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) عند مشركي أهل مكة
بدعائك إلى توحيد الله عزّ وجلّ فيما تقدّم، وما تأخّر، لأنّ مشركي مكة، أسلم
بعضهم وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا
الناس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم، فقال المأمون: لله درّك
يا أبا الحسن.
قال الرجل: ماذا يقصد مولانا الإمام الرضا بقوله هذا؟
قال الحكيم: ألا تلاحظ أن في اعتبار القرآن الغاية المتوخاة من
الفتح هي مغفرة ذنب النبي a، ما تقدّم منه وما تأخّر غرابة؟
قال الرجل: أجل.. أرى ذلك.. فطالما قلت لنفسي: كيف صار تمكينه
سبحانه نبيّه a من فتح
القلاع والبلدان سبباً لمغفرة ذنوبه، مع أنّه يجب أن تكون بين الجملة الشرطية
والجزائية رابطة عقلية أو عادية، بحيث تعدّ إحداهما علّة لتحقّق الاَُخرى أو
ملازمة لها، وهذه الرابطة خفية في المقام جداً، فإنّ تمكين النبي من الاَعداء
والسيطرة عليهم يكون سبباً لانتشار كلمة الحق ورفض الباطل واستطاعته التبليغ في
المنطقة المفتوحة، فلو قال: إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً، لتتمكن من الجهر بالحق،
ونشر التوحيد، ودحض الباطل، كان الترتب أمراً طبيعياً، وكانت الرابطة محفوظة بين
الجملتين، وأمّا جعل مغفرة ذنوبه جزاء لفتحه صقعاً من الاَصقاع، فالرابطة
[1] هناك اختلاف في المراد
من الفتح في هذه الآية، فقيل المراد: فتح مكة وهو ما ذكره هنا، وثانيها: فتح الروم
وغيرها وثالثها: المراد من الفتح صلح الحديبية ورابعها: فتح الإسلام بالحجة
والبرهان، والسيف والسنان وخامسها: المراد منه الحكم كقوله تعالى:﴿
رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق ﴾ (الأعراف: 89 ) وقوله:﴿ ثُمَّ يَفْتَحُ
بَيْنَنَا بالحق ﴾ (سبأ: 26)، وكلها وجوه محتملة ولو أن الأرجح بينها هو كونه صلح
الحديبية.