الولي والعدو، ومصلحة النفس، وأعباء الرسالة، وحمل الأمانة،
وهو في هذا كله في طاعة ربه، وعبادة خالقه، ولكن لما كان a أرفع الخلق عند الله تعالى مكانة،
وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حالة عند خلوص قلبه، وخلو همه، وتفرده بربه
أرفع حاليه، رأى حاله فترته عنها، وشغله بسواها، غمضا من علي حاله، ورفيع مقامه،
فاستغفر من ذلك.
وقال آخر: لم يزل a مترقيا من رتبة إلى رتبة، فكلما رقي درجة التفت إلى ما خلفها،
وجد منها وحشة لقصورها بالإضافة إلى التي انتهى إليها، وذلك هو الغين، فيستغفر
منه.
وقال آخر: هو حالة خشية، وإعظام، والاستغفار شكرها.
وقال آخر: هو السكينة التي تغشي قلبه، والاستغفار لإظهار
العبودية والشكر لما أولاه.
وتأدب آخرون، فرأوا أنفسهم أقصر من أن يتحدثوا عن هذا المقام،
فقد قال الجنيد: لولا أنه حال النبي a لتكلمت فيه، ولا يتكلم على حال إلا من كان مشرفا عليها، وجملة
حاله يشرف على نهايتها أحد من الخلق[1].
قام رجل آخر، فقال: فما تقول في قوله تعالى:﴿ إِنَّا
فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً
مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً ﴾ (الفتح: 1-3).. فإذا كان النبي a معصوماً من العصيان ومصوناً من
الذنب، فكيف أخبر سبحانه عن غفران ذنبه، بل ما تقدم منه وما تأخر.
قال الحكيم: قبل أن أجيبك لا ينبغي أن أتخطى سيدا من سادات آل
البيت.. وهو الإمام الرضا.. فقد سأله المأمون عن الآية فقال:(لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنباً من رسول الله a، لاَنّهم كانوا يعبدون من دون الله
ثلاثمائة وستين صنماً، فلمّـا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الاِخلاص كبر ذلك عليهم
وعظم، وقالوا:﴿ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً
وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ
[1] انظر هذه الأقوال
وغيرها في (الشفا) للقاضي عياض، و(سبل الهدى) وغيرهما.