وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي: لما كانت روح النبي a لم تزل في الترقي إلى مقامات القرب
تستتبع القلب، والقلب يستتبع النفس، ولا ريب أن حركة الروح والقلب أسرع من نهضة
النفس، وكانت خطى النفس تقصر عن مداهما في العروج، فمما نهضت به الحكمة إبطاء حركة
القلب لئلا تتقطع علاقة النفس عنه، فيبقى العباد محرومين فكان a يفزع إلى الاستغفار، لقصور النفس
عن ترقي القلب.
وقال: لا تعتقد أن الغين حالة نقص، بل هو حالة كمال.. فذلك مثل
جفن العين حين يمسح الدمع القذى عن العين، فإنه يمنع العين عن الرؤية، فهو من هذه
الحيثية نقص، وفي الحقيقة هو كمال.. فهكذا بصيرة النبي a متعرضة للأغبرة الثائرة من أنفاس
الأخيار، فدعت الحاجة إلى ستر حدقة بصيرته، صيانة لها، ووقاية عن ذلك.
وقال أبو سعيد الخراز: الغين شئ لا يجده إلا الأنبياء وأكابر
الأبرار والأولياء، لصفاء أسرارهم، وهو كالغيم الرقيق الذي لا يدوم.
وقال آخر: إن في الاستغفار والتوبة معنى لطيفا، وهو استدعاء
لمحبة الله تعالى، فإحداثه الاستغفار والتوبة في كل حين استدعاء لمحبة الله تعالى.
وقال آخر: لقد رأى الاشتغال بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو
نوم أو راحة ومخالطة الناس، والنظر في مصالحهم، ومحاربة عدوهم تارة، ومداراته
أخرى، وتأليف المؤلفة، وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله تعالى، والتضرع
إليه، ومشاهدته، ومراقبته، ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي، وهو الحضور في حظيرة
القدس.
وقال آخر: هو ما يستغشي القلب، ولا يغطية كل التغطية، كالغيم
الرقيق لذي لا يمنع ضوء الشمس، ثم لا يفهم من الحديث أنه يغان على قلبه مائة مرة،
وإنما هذا عدد الاستغفار لا الغين، فيكون المراد بهذا الغين الإشارة إلى غفلات
قلبه، وفترات نفسه، وسهوها عن مداومة الذكر، ومشاهدة الحق، لما كان a من مقامات البشر، وسياسة الأمة،
ومعاناة الأهل، ومقاومة