الغفلات أو اقتراف المكروهات من الأولياء ذنباً، مع أنها في
الواقع ليست بالنسبة إليهم ذنباً مطلقاً، بل إنها ذنب إذا قيس إلى ما أُعطوا من
الاِ يمان والمعرفة، ولو قاموا بطلب المغفرة والعفو، فإنّما هو لاَجل هذه الجهات.
ولهذا نرى شيخ الاَنبياء نوحاً ـ عليه السلام ـ يقول:﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ
دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ
الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً﴾
(نوح:28)
ويقتفيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ ويقول:﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ (ابراهيم:41)
وعلى أثرهم يقول النبي a:﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ
رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾
(البقرة:285)
والمنشأ الوحيد لهذا الطلب مرّة بعد أُخرى هو وقوفهم على أنّ ما
قاموا به من الأَعمال والطاعات وإن كانت في حد نفسها بالغة حدّ الكمال لكن المطلوب
والمترقّب منهم أكمل وأفضل منه.
قام رجل من القوم، وقال: لقد ورد في الحديث إشارة إلى أن النبي a يعرض له ما يستدعي الاستغفار، فقد
قال a:(إنه
ليغان على قلبي حتى أستغفر الله، وفي لفظ: وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)[1].. فقد ذكر أن علة استغفاره ما يحل
على قلبه من الغين.
قال الحكيم: سر هذا الحديث لا يفهمه إلا أولياء الله الذين
رزقوا من أذواق أهل الله ما يتيح لهم التعبير عن بعض حقائق الجمال التي وردت فيه..
وقد قال أبو الحسن الشاذلي في الحديث: رأيت رسول الله a فسألته عن حديث: (إنه ليغان على
قلبي)، فقال: (يا مبارك ذلك غين الأنوار).