وهو أنّ عظمة الشخصية وخطر المسؤولية متحالفان، فربَّ عمل يُعد
صدوره من شخص جرماً وخلافاً، وفي الوقت نفسه لا يعد صدوره من إنسان آخر كذلك.
سأحاول أن أبسط لك ذلك..
أنت تعرف أنّ الاَحكام الشرعية تنقسم إلى واجب وحرام ومستحب
ومكروه ومباح.. وتعلم أنه لا محيص عن الاِتيان بالواجب وترك الحرام.. نعم هناك
رخصة في ترك المستحب والاِتيان بالمكروه، ولكن المترقب من العارف بمصالح الاَحكام
ومفاسدها، تحلية الواجبات بالمستحبات، وترك المحرمات مع ترك المكروهات، ولا يقصر
عنه المباح، فهو وإن أباحه الله سبحانه ولكن ربّما يترجح فعله على تركه أو العكس
لعنوان ثانوي.
فالعارف بعظمة الرب يتحمّل من المسؤولية ما لا يتحمله غيره،
فيكون المنتظر منه غير ما ينتظر من غيره، ولو صدر منه ما لا يليق، وتساهل في هذا
الطريق، فإنه يتأكد منه الاستغفار وطلب المغفرة، لا لصدور الذنب منه، بل من باب
قياس عمله إلى علو معرفته وعظمة مسؤوليته.
وإن شئت فاستوضح ذلك من ملاحظة حال المتحضر والبدوي، فالمرجوّ
من الأَوّل القيام بالآداب والرسوم الرائجة في الحضارات الاِنسانية، ولكن المرجوّ
من الثاني أبسط الرسوم والآداب، فما ذلك إلاّ لاختلافهما من ناحية التربية
والمعرفة، كما أنّ الترقب من نفس المتحضرين مختلف جداً، فالمأمول من المثقف أشد
وأكثر من غيره كما أنّ الانضباط المرجو من الجندي يغاير المترقب من غيره، والغفلة
القصيرة من العاشق يعد جرماً وخلافاً في منطق العشق، وليست كذلك إذا صدرت من غيره.
وهذه الاَمثلة ونظائرها الوافرة تثبت أنّ عظمة الشخصية وكبر
المسؤولية متحالفان، وأنّ الوظائف لا تنحصر في الاِتيان بالواجبات، والتحرّز عن
المحظورات بل هناك وظائف أُخرى، وكلّما زاد العلم والعرفان توفرت الوظائف وكثرت
المسؤوليات، ولاَجل ذلك تُعدّ بعض