فهذه النصوص كلها، تدل على أن هذه المعمودية، كانت معمودية
التوبة لمغفرة الخطايا، فمتى سلم اعتماد المسيح من يحيى، لزم تسليم اعترافه
بالخطايا والتوبة منهما أيضا، لأن حقيقة هذا الاعتماد ليست غير ذلك.
وفي الباب السادس من إنجيل متى في الصلاة التي علمها المسيح
تلاميذه هكذا:(اغفر لنا ذنوبنا كما نحن نغفر أيضا للمذنبين إلينا ولا تدخلنا في
تجربة لكن نجنا من الشرير)
والظاهر أن المسيح كان يصلي تلك الصلاة التي علمها تلاميذه، ولم
يثبت من موضع من مواضع الإنجيل أنه ما كان يصلي هذه الصلاة.. بل إنه كان كثير
الصلاة، فلزم أن يكون دعاؤه باغفر لنا ذنوبنا مرات كثيرة بلغت الآلاف.
قام رجل من القوم، وقال: قد يصح ما ذكرت إن كان النبي a هو المبادر للاستغفار.. ولكنا نرى
الله تعالى هو الذي يحثه عليه، ويأمره به، فالله تعالى يقول:﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
غَفُوراً رَحِيماً﴾ (النساء: 106)، ويقول:﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ﴾ (غافر:55)، ويقول:﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾
(محمد:19).. وغيرها من الآيات التي تأمر النبي a بالاستغفار.. وقد ورد في الحديث:
لزم رسول الله a هؤلاء
الكلمات قبل موته بسنة: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك
وأتوب إليك)، قالت فقلت: يا رسول الله لقد لزمت هذه الكلمات، قال: (إن ربي عهد إلي
عهدا أو أمرني بأمر، فأنا أتبعه)، ثم قرأ:﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ (النصر:1) حتى ختم السورة[1].
فكيف تجتمع العصمة مع الاأمر بطلب الغفران؟
قال الحكيم: إن التعرف على سر ذلك يقتضي الوقوف على أصل مسلَّم
به بين العقلاء،