قال محمد بن عمر: وكان رسول الله a من شدة اجتهاده في العمل يضرب مرة
بالمعول ومرة يغرف بالمسحاة التراب، ومرة يحمل التراب في المكتل، وبلغ منه التعب
يوما مبلغا فجلس، ثم اتكأ على حجر على شقه الايسر فنام.
بل كان a في هذا الموقف الشديد يتكفل بكل عمل شاق يتوقفون عنده، فعن
جابر: أن المسلمين عرض لهم في بعض الخندق كدية عظيمة شديدة بيضاء مدورة، لا تأخذ
فيها المعاول، فكسرت حديدهم، وشقت عليهم، فشكوا ذلك لرسول الله a وهو في قبة تركية فقال: أنا نازل،
ثم قام، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فدعا بإناء
من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن دعو به، ثم نضح من ذلك الماء عليها،
فيقول من حضرها: والذي بعثه بالحق إنها عادت كالكثيب المهيل ما ترد فأسا ولا مسحاة[2].
ولم يكن a في ذلك الموقف الشديد يكتفي بالعمل فقط.. بل كان يسليهم ويرتجز
بما يرتجزون، ويضحك كما يضحكون:
قال ابن إسحاق وابن عمر: وارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال
له (جعيل) أو جعالة بن سراقة، وكان رجلا دميما صالحا، وكان يعمل في الخندق، فغير
رسول الله a اسمه
يومئذ فسماه عمرا، فجعل المسلمون يرتجزون ويقولون:
سماه من بعد جعيل عمرا وكان للبائس
يوما ظهرا
وجعل رسول الله a لا يقول شيئا من ذلك، إلا إذا قالوا: عمرا، وإذا قالوا: ظهرا،
قال: ظهرا.
وعن البراء قال: رأيت رسول الله a ينقل التراب يوم الخندق حتى وارى
التراب بياض