يا رسول الله بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم ـ أي جيش
المشركين ـ فننزله ونغور ـ نخرب ـ ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضًا، فنملؤه
ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.
فأعجب النبي a هذا الاقتراح، ونهض بالجيش إلى أقرب ماء من العدو فنزل عليه،
ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من الآبار.
قال رجل من الجمع: لقد سبق أن ذكرت هذا.. فكيف استشارهم فيما
نتج عن الغزوة؟
قال الحكيم: أنتم تعلمون أن الله نصر المسلمين في غزوة بدر، وقد
كان من مظاهر انتصار المسلمين في تلك الغزوة أن الله أمكنهم من كثير من أعدائهم
الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب.. وكان في إمكان محمد a لو كان يفكر تفكير مستبد أن يبت
فيهم بأمره، أو أن يقتلهم ليشفي غليله منهم، ولكنه لم يفعل.. بل استشار المسلمين
في شأنهم..
سكت قليلا، ثم قال: وفي غزوة أحد شاور النبي a أصحابه، ونزل عن رأيه إلى رأى
أكثريتهم، مخالفا لرأيه، مع أنهم تنازلوا بعد ذلك عما ذهب إليه من رأي مراعاة لرأي
رسول الله a.
فقد روي أنه لما قصد أبو سفيان وأصحابه المدينة يريدون حرب رسول
الله a، قال
رسول الله a
لأصحابه: (إني رأيت في المنام سيفي ذا الفقار انكسر، وهي مصيبة[1]، ورأيت بقرا تذبح، وهي مصيبة،
ورأيت علي درعا وهي مدينتكم لا يصلون إليها، إن شاء الله تعالى)[2]
وبعد أن قص عليهم ما رأى من الرؤيا قال لهم: إن رأيتم أن تقيموا
بالمدينة، ونجعل النساء والذرية في الآطام، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا
علينا قاتلناهم في الأزقة فنحن أعلم بها منهم، ورموا من فوق الصياصي والآطام)،
وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن.
[1] روى البيهقي عن ابن
شهاب قال: يقول رجال: كان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه.